لم يكد مجلس الوزراء ينتهي من مناقشة مشروع موازنة العام 2019، حتى انطلقت مواجهة، لا تزال حتى الآن هادئة، بين تيار "المستقبل" و"​التيار الوطني الحر​"، عنوانها الأساسي ما يُعرف بـ"الحريرية السياسية"، من دون تجاهل الحديث عن رغبة وزير الخارجية والمغتربين ​جبران باسيل​ في فتح ملفّ إستبدال مدير عام قوى الأمن الداخلي ​اللواء عماد عثمان​.

ضمن هذا السياق، جاء رد بيان كتلة "المستقبل"، بعد إجتماعها الأخير، على كلام رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، ولو بشكل غير مباشر، من خلال الإشارة إلى "الاصرار على مواصلة النهج الاصلاحي والاعماري والتحديثي الذي بدأه ​رفيق الحريري​ في التسعينات، وتضافرت على عرقلته في حينه قوى وجهات وأحزاب وغرف مخابرات داخلية وخارجية، اجتمعت على خوض غمار المزايدة لتعطيل كل الفرص التي أتيحت لوضع الادارة اللبنانية على سكة العمل الصحيح"، بعد أن كان الرئيس عون قد تحدث عن أننا "ورثنا ديناً تجاوز 80 مليار دولار".

في هذا السياق، لا تنفي مصادر نيابية في كتلة "المستقبل"، عبر "النشرة"، إمتعاضها مما نقل عن الوزير باسيل، عن أن "السنية السياسية أتت على جثة المارونية وسلبت كل حقوقها ومكتسباتها ونحن نريد استعادتها منهم بشكل كامل"، بالتزامن مع الحديث عن وضع اللواء عثمان، حيث تؤكد رفضها أي تعرض للمدير العام لقوى الأمن الداخلي، وتشدد على أنه من الخطوط الحمراء التي لا يمكن الإقتراب منها، بينما في الشق الثاني تنفي وجود سنية سياسية في لبنان، حيث تؤكد على أن الحريرية السياسية مرحلة وطنية بإمتياز، بعيداً عن إحتمال نفي ما نقل عن لسان باسيل، نظراً إلى أن هناك ما يوحي به.

من وجهة نظر هذه المصادر، الخطر في ما يتم الترويج له يكمن بأنه يمس جوهر إتفاق الطائف، الذي أرسى معادلة أنهت الحرب اللبنانية، وتسأل عن الأسباب التي تدفع البعض إلى فتح هذا الملف في كل مرة، في حين من المفترض أن النقاش به بات من الماضي، خصوصاً بعد التسوية الرئاسية بين تيار "المستقبل" و"التيار الوطني الحر"، وتضيف: "لا مصلحة لأحد في فتح هكذا ملف من جديد، في ظل ما يجري من تحولات على مستوى المنطقة".

في مقابل اللهجة الهادئة التي يتعامل بها تيار "المستقبل" مع هذا الموضوع، هناك بعض الأصوات، التي تقع على يمينه، تحمل الحريري شخصياً مسؤولية ما وصلت إليه الأمور، لا سيما بعد أن تخلى عن كل الشخصيات السياسية الوازنة التي من الممكن له الإعتماد عليها في مثل هذه الحالات، وتشير إلى أن هذا الواقع يظهر جلياً على طاولة مجلس الوزراء، حيث يغيب عن فريقه أي شخصية قادرة على تولي المواجهة، في حين هو لا يستطيع أن يلعب هذا الدور بسبب موقعه في رئاسة ​الحكومة​، وتضيف: "خلال جلسات مناقشة ​البيان الوزاري​ ظهر وكأنه غير قادر على الحسم بين الوزراء، لحين نقل النقاش إلى ​القصر الجمهوري​، حيث تم البتّ في الجلسة الأخيرة برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون".

بالنسبة إلى بعض الشخصيّات التي تنتمي إلى هذا الفريق، يواجه الحريري، منذ لحظة تكليفه، معركة قاسية يتردد في رفع السقف فيها، عنوانها صلاحيات رئيس الحكومة، وتذكر بما حصل من أزمات خلال عملية تأليف الحكومة، حيث كان في موقع المنتظر بينما الدستور واضح في هذا المجال، وتشير إلى أن هذه المعركة لا تزال مستمرة حتى اليوم، إلا أنه يفضل، على ما يبدو، تفادي القيام بأي خطوة، تحت عنوان الحفاظ على الإستقرار الداخلي، لكنها ترى أنه لن يكون قادراً على الإستمرار في النهج نفسه طويلاً، بالرغم من أن شبه الإجماع حوله في الساحة السنية قد يجنّبه الكثير من الإنتقادات، مع العلم أن نواب "اللقاء التشاوري" كانوا قد وجهوا له الإتهام مؤخراً بالتخلي عن صلاحياته الدستوريّة، حيث أصبح بالممارسة أقل من رئيس لجنة وزاريّة.