لفت البطريرك الماروني الكاردينال ​مار بشارة بطرس الراعي​، خلال ترؤسه الذبيحة الإلهية في الرعية المارونية في ​كنيسة مار شربل​ في ​بوخارست​ ب​رومانيا​، إلى أنّه "يُسعدنا أن نحتفل معًا في هذه الليتورجيا الإلهية ونحيي ذكرى صعود ربنا يسوع إلى السماء، ونختم شهر أيار المخصّص لتكريم أمنا ​مريم العذراء​"، منوّهًا إلى أنّ "في هذه المناسبة السعيدة، وقد جمعتنا ب​البابا فرنسيس​ الّذي يقوم بالزيارة الرسولية إلى رومانيا العزيزة في محطاتها الثلاث الأمس اليوم وغدًا، إنّنا نصلّي معه من أجل تحقيق نواياه بشأن رومانيا وشعبها وكنيستها، ونلتمس من الله أن يحقّق أمنياته هو الداعي للسلام في العالم، هو الداعي للأخوّة الإنسانيّة الشاملة".

وأكّد "أنّنا لسعداء جدًّا، لأنّنا نزوركم للمرّة الثانية، وأن نرى هذه الرعية كيف تنمو وتكبر بالإيمان وبشعبها وبأبنائها ونحن نشكر الله عليها وهي تنعم بالبركة الإلهية بشفاعة شفيعها ​القديس شربل​"، مبيّنًا "أنّنا نقيم معكم هذه الذبيحة الإلهية أيضًا من أجلكم من أجل عائلتكم، أعمالكم ونشاطاتكم ومؤسساتكم، من أجل أجيالكم الجديدة، من أجل مرضاكم ومن أجل الأحبّاء الّذين غادرونا إلى بيت الآب".

وتوقّف البطريرك الراعي عن "أبعاد عيد صعود الرب يسوع إلى السماء، وقد سمعنا في ​الإنجيل​ أنّه من بعد أن أرسل رسله إلى العالم كلّه ليحملوا إنجيله الخلاصي لكلّ إنسان، صعد إلى السماء وجلس عن يمين الله الآ، وهم ذهبوا يكرزون ببشرى إنجيل الخلاص والرب يعضضهم بالآيات".

وأوضح أنّ "هناك 4 أبعاد لصعود الرب يسوع، تسمح لنا بإدارك مفاهيم هذا العيد. البعد الأول هو السماء: نقول السماء وعندما نلفظ الكلمة نتطلّع إلى فوق، ولكن يجب أن نفهم أنّ السماء ليست مكانًا حسيًّا. السماء هي حالة الله الحاضر في الكون كلّه، متخطّين كلّ مكان وزمان، لكنّنا نحتاج نحن إلى تعابير حسيّة تتلاءم مع حواسنا"، مفسّرًا "أنّنا نقول السماء فوق والجحيم تحت، وفي كلتا الحالتين أكانت السماء أم كانت الجحيم فهما حالتان. الحالة الأولى هي الحياة مع الله والقديسين الأبرار، حالة السعادة حالة المشاهدة السعيدة. أمّا جهنم فهي حالة الوجع والألم الّذي وصفه الرب يسوع بعذابات النار".

وشرح أنّ "صعد إلى السماء" هذا لا يعني أنّه ترك أرضنا، بل إنّه باق معنا. يسوع التاريخي ببشريّته الممجّدة بعد القيامة دخل في عالم الله، لكنّه أصبح المسيح الإيماني، المسيح الكلّي الّذي هو الكنيسة، في سرها وشركتها ورسالتها. هو حاضر لأنّه رأس الجماعة، هو حاضر مع كلّ إنسان على وجه الأرض رفيق دربه يهديه إلى الله وإلى خلاصه، حاضر بكلامه حاضر بذبيحة القداس التي تقدّم وفيها تتجدد الآن وهنا ذبيحة الفداء عن الجنس البشري، حاضر في وليمة جسده ودمه، حاضر في كلّ جماعة تلتئم لتصلّي، حاضر بألوهيّته مع الإنسان". وشدّد على أنّ "أجل لم يغادر أرضنا بصعوده أي بدخوله في عالم الله، كما انّه لم يغادر اتحاده بالله عبر السماء عندما أتى إلينا متجسّدًا، أي لم يغادر ألوهيّته فهو إله منذ الأزل وبشر منذ ألفي سنة".

وذكر الراعي أنّ "البعد الثاني هو الجلوس عن يمين الآب. هذا تعبير للقول انّه أقيم ملك الملوك وسيد السادة له ملء السلطان على كلّ إنسان وعلى كلّ كون". ولفت إلى أنّ "البعد الثالث "انطلقوا واكرزوا في العالم كلّه". منذ ألفي سنة ونحن نحمل هذه البشرى السعيدة لكلّ إنسان، وهي أنّ للإنسان قيمة للشخص البشري قيمة لأنّه مصنوع على صورة الله، مفتدى بدم المسيح، معدّ ليكون هيكل الروح القدس، هذه هي الكرازة عن قيمة الإنسان وكرامته وقدسيّة الشخص البشري".

كما أشار إلى "أنّنا نشعر اليوم كم أنّ العالم يفتقد لهذا الإدراك والوعي، إذ كلّنا نرى كيف أنّ الشخص البشري يفقد كرامته وقدسيته، يُقتل، يُستباح، يصبح سلعة، ليس هذا هو الإنسان. هذه هي البشرى الإنجيلية الّتي تحملها الكنيسة منذ ألفي سنة بالسلطان الإلهي".

وأفاد بأنّ "البعد الرابع والأخير، "الرب كان يعضضهم بالآيات الّتي يصنعوها وتحقيق كلماتهم". هذه الأبعاد الأربعة تشكّل صميم حياتنا ​المسيحية​ خاّصة والإنسانية عامة. وهكذا حيثما نحن...".

إلى ذلك، توجّه الراعي برسالة خاصة إلى الجالية اللبنانية في رومانيا قائلًا: "أيّها الأحباء الموجودون في رومانيا العزيزة، أنتم هنا تساهمون إسهامًا كبيرًا في نمو هذه الدولة الّتي فتحت أمامكم مجالات تحقيق ذواتكم، تسهمون في إنمائها الاقتصادي والصناعي والزراعي والتجاري وسواها، لكنّكم مدعوّون أن تساهوا مع بناء المجتمع على القيم الأخلاقيّة والإنجيليّة والإنسانيّة".

وركّز على أنّ "هكذا تعيشون الرسالة الّتي سلّمنا إياها الرب يسوع، كلّنا نحمل هذه الرسالة أيًّا كان عرقنا وديننا و ثقافتنا. فنحن كمسيحيين نحملها بمسؤوليّة المعمودية ومسؤوليّة الدرجة المقدسة الأسقفيّة والكهنوت. هذه هي قيمة الإنسان، فكلّ إنسان شريك الله في رسالة خلاص الجنس البشري".