ليست المواقف التي أطلقها قائد الجيش ​جوزيف عون​ خلال زيارته متحف الرئيس الراحل فؤاد شهاب في جونية نهاية الاسبوع عابرة. اذ لم يسبق له منذ تولّيه مهامه أن رفع الصوت والسقف كما فعل مؤخّرًا اعتراضا على ما قال انها "موازنة مجحفة بحقّ المؤسّسة". فعون الذي كان يتابع عن كثب ما يُحكى عبر ​وسائل الاعلام​ و​وسائل التواصل الاجتماعي​ عن تخفيضات ستطال الرواتب التقاعديّة وموازنة المؤسّسة ككلّ، آثر الصمت طوال الفترة الماضية خاصة بعد سلسلة التطمينات التي سمعها من المعنيين بأن ما يتم الترويج له لن يُكتب، الا انّ تحويل الموازنة من ​مجلس الوزراء​ الى مجلس النواب بالصيغة التي انتهت اليها، جعلته يخرج عن صمته بمواقف أقلّ ما يُقال عنها انها تصعيديّة، والارجح تهدف للضغط على البرلمان قبل انطلاق مهمّته لتعديل بعض ما أقرّ وزاريا.

وتشير مصادر مطلعة الى أن "ما صدر عن القائد هو نتيجة شعوره والتماسه بأن هناك من يسعى من خلال الاجراءات الأخيرة المتّخذة باطار الموازنة لتطويق المؤسسة العسكرية ومحاصرتها بهدف اضعافها"، لافتة الى أنّه مهّد لمواقفه هذه خلال افتتاح مستوصف رأس بعلبك حين قال انه "في وقت الحرب الكل يقف الى جانب الجيش، أما في وقت السلم فينسون أمره"، ومن ثم في "أمر اليوم" ليعود ويرفع السقف من جونية. وتضيف المصادر: "كيف يمكن للجيش ان يستمرّ بعد منع التطويع بصفة جنود أو تلامذة ضباط ومنع التسريح، وعدم دفع ما يتوجّب لمتعهّدي الطعام، إضافة لوقف السلفات لاصلاح الآليّات العسكريّة وتراجع الاموال المخصّصة للمحروقات وغيرها الكثير من التدابير التي طالت معنويّات الضبّاط والجنود والمتقاعدين"؟.

وتستهجن المصادر "كيف أنّه وبعد المسار الاصلاحي غير المسبوق الذي سلكته عملية الدخول الى الحربيّة ما أدى العام الماضي الى نجاح خيرة الشباب، تقرّر اغلاق الباب هذا العام على التطوّع بصفة تلامذة ضباط بحجّة غياب التمويل"، وقالت: "بالامس كانوا يستفيدون من الموضوع في الانتخابات ولترسيخ الزعامات، أما اليوم فلا يرون مصلحة لهم في ذلك".

وتبني المصادر على موقف قائد الجيش واستهجانه كيف أن "توزيع مهام الجيش وتحديد الأفضلية في التدابير العسكريّة أصبح مادة جدليّة تتمّ مناقشتها على المنابر وفي الصالونات، علمًا أنّ ​قيادة الجيش​ هي وحدها من تقرّر ذلك"، لتستنكر "ادخال المؤسسة التي لطالما شكلت العمود الفقري للبنان والتي أجمع كل اللبنانيين على دعمها في هذا البازار"، لافتة الى أنه "بعدما حيّدت البلد عن كل ما يحصل في المنطقة وواجهت الارهاب ورسّخت الاستقرار الداخلي، اضافة للتنويه الكبير الذي سمعه القائد خلال زيارته الاخيرة الى ​الولايات المتحدة الاميركية​ حيث جاء تأكيد أنه سيكون هناك وقف للمساعدات لكل الجيوش الا للجيش اللبناني باعتباره أحد الشركاء الاستراتيجيين، تلاقي القوى السّياسية كل ذلك بسعي لتطويق الجيش واضعافه، ما يطرح أـكثر من علامة استفهام"!.

ولعلّ العنصر الأخطر في الموضوع، هو اعتبار قائد الجيش أن القوى الّسياسية باتت تضع أيديها في مياهٍ باردة لجهة ان الوضع ممسوك وسيبقى كذلك، لذلك كان موقفه الاخير حاسما بالتنبيه الى أنّ الوضع الأمني والاقتصادي والاجتماعي لا يزال بحاجة الى جهوزيّة كاملة "والا فمن يتحمّل مسؤولية كشف أمن الوطن"؟.