بعد كل حرب، كان يُقال: الرجال يسقطون في المعارك والسياسيون يحصدون الإنتصارات والإنتهازيون يستفيدون ...

ما ينطبق في الحرب، ينطبق ايضًا في الحروب السياسية: هناك رجال يسقطون، وهناك سياسيون يحصدون الإنتصارات، وهناك انتهازيون يستفيدون .

***

أتذكَّر هذا الكلام جيدًا، حين اتابع ما يجري فأجد الكثير من الإنتهازيين الذين يغتنمون كل مناسبة فيها دخان معارك وغبار معارك ليمرروا ما يمكن تمريره .

في مقدمة معارك الإنتهازيين هذه الأيام، مسألة العقود بالتراضي: ما قصة هذه العقود؟ ولماذا هي بالتراضي؟ ولماذا لا تسلك الآليات القانونية المرعية الإجراء؟

" العقود بالتراضي " إسمها معها: إنها لترضية هذا او ذاك أو هذه الجهة او تلك ... وكثيرًا ما نسمع أن هذا الإلتزام أو هذه الصفقة تم إعطاؤهما جائزة ترضية لهذا أو ذاك ، ويقال أكثر على أنها " تنفيعة ": يحدث ذلك سواء في إدارة عامة أو بلدية ... هنا يُطرَح السؤال :

أين هيئات الرقابة من هذه الفضائح المتمادية؟ ولماذا لا يتم وضع حدٍّ لها؟

لقد بلغ الأمر حدًّا وقحًا: لا بلدية " تفرق معها "، ولا إدارة تفرق معها: كل ما يهمهم هو الغرف من مال ليس لهم هو " ​المال​ العام " .

***

الخطير في العقود بالتراضي انها لا تخالف الأنظمة المرعية الإجراء فقط بل هي تسير بالإدارة العامة " عكس السير " في ما يتعلَّق بالشروط التي تضعها دول وهيئات " سيدر " ... هذا يعني ان الإدارة العامة تخالف القوانين والشروط تحت نظر " سيدر " .

ولا يتوقف خطر التراضي عند هذا الحد ، بل يتعداه ليصل إلى التراضي في موضوع ​التعيينات​ والتوظيفات المخالِفة للقوانين .

التوظيفات والتعيينات في ​لبنان​ ما تزال تتم وفق عقلية مراضاة هذا أو ذاك: نعطيه وظيفة فيعطينا في المقابل ولاء كاملًا في الإنتخابات وصناديق الإقتراع، وهذه المسألة تتكرَّر من جيل إلى جيل فنجدها في أكثر من وظيفة وفي أكثر من قطاع .

الأساس في كل ذلك هو: متى يتوقّف هذا الاداء الفضائحي؟ متى ستبدا ملاحقة رؤساء البلديات الكبرى على أدائهم الذي يتسبب بخسائر فادحة وفاضحة لصناديق البلديات التي هي في نهاية المطاف اموال عامة تخص المواطنين قبل ان تخص بعض رؤساء البلديات وأنجالهم واصدقاءهم .

***

نعرف في لبنان ان المتورِّطين لا يرتدعون إلا إذا ذُكِرَت اسماؤهم، وطالما لم تُذكَر فإن الصالح يذهب بجريرة الطالح .

ولأن الأمر لا يجوز، فلا شيء يمنع من أن يميل الخيار إلى بدء التسميات ولاسيما لرؤساء البلديات الذين أثروا على حساب اموال الناس، وبلغت ثرواتهم حدًا لم يعد من الجائز السكوت عنها .

***

إن التحدي كبير، وإذا فُتِح الملف فإنه لن يتوقف إلا وقد حمل اسماء المتوِّرطين والمستفيدين، ولكن حبَّذا لو ان هيئات التفتيش تبادر إلى فتح الملف لتكون جنبًا إلى جنب مع ​الصحافة​ لكشف ما يجب كشفهُ ومَن يجب كشفهُ .