في العام 2005، اطلق رئيس ​الحزب التقدمي الاشتراكي​ ​وليد جنبلاط​ على العماد ​ميشال عون​ العائد في حينه من منفاه الفرنسي، لقب "تسونامي" في تعبير عن عدم التجانس الواضح بين الرجلين. واليوم، رفع جنبلاط السقف مع صهر الرئيس وزير الخارجية ورئيس ​التيار الوطني الحر​ ​جبران باسيل​ الى اعلاه ووصلت الامور الى حد يقارب "القطيعة" في العلاقة بينهما. يتحدث البعض عن امكان اطلاق اللقب نفسه (اي تسونامي) على باسيل حالياً، وذلك بسبب جولاته المكوكية على المناطق اللبنانية كافة، من اجل خلق حالة وظاهرة تخرق الروتين السياسي. لا ينكر احد ان رئيس الجمهورية الحالي يرى في باسيل خليفته السياسية (الى حد كثر الحديث عن خلافات عائلية بسبب هذا الخيار)، وهو يدعمه بشكل مطلق، ولكن "تسونامي" عون في حينه قلب المقاييس، وهو امر لا يمكن لباسيل حالياً ان يقوم به على الرغم من كل المكاتب الخاصة بالتيار الوطني الحر التي يفتتحها على الاراضي اللبنانية، وحركته الناشطة داخل لبنان وخارجه.

بالامس، حط باسيل رحاله في الشمال ولكن الانظار كانت متجهة الى طرابلس لمعرفة ماذا سيحصل بعد اقل من اسبوع على احداث الجبل التي هزّت لبنان سياسياً وامنياً. المفارقة كانت ان الزيارة تمت بسلاسة، ولم تؤثر التظاهرات السلمية التي اقيمت رفضاً لها، على اجواء البلد، فما الفارق بين الزيارتين؟ من المؤكد ان عقلية "الكانتونات" سائدة في لبنان، علماً انها لم تثبّت بشكل رسمي، وتلاقي رفضاً اعلامياً من المسؤولين انفسهم الذين يمارسونها عملياً ويطعنونها في الظهر علناً. لم يكن الامر يحتاج الى الكثير من الجهد لاثبات هذا الواقع المرير، واتت زيارات باسيل لكشف هذا الامر، إن في الجبل او في طرابلس، وما يسري عليهما ينطبق تماماً على اجزاء اخرى من لبنان.

لم يكن احد يتوقع ان تصل الامور الى ما وصلت اليه في الجبل، لجهة سيل الدماء، ومن المنطقي القول انه في طرابلس او اي منطقة اخرى، لم يكن السيناريو نفسه ليحصل، من دون ان يعني ذلك عدم وجود اعتراضات على زيارة باسيل او قطع طرقات واقامة تظاهرات ومسيرات رافضة له وللزيارة بحد ذاتها. كل ذلك يبقى ضمن السقف المحدد، ولكن سقوط الدماء امر يتخطى الحدود، لذلك من الظلم القول ان باسيل كان يتوقع هذا الامر وانه تعمّد المتابعة غير آبه بالضحايا. المشهد المغاير في طرابلس خير دليل على ذلك، وقد يقول قائل ان العبر قد اخذت في احداث ما جرى في الجبل وهو تحليل منطقي لكنه يبقى ناقصاً، لان انقسام النفوذ الدرزي على الجبل لا يشبه انقسام النفوذ السنّي على طرابلس، خصوصاً بعد الانتخابات التي ارست تحالفات ارخت بظلالها على الشارع الطرابلسي، واتصالات اعادت نسج خيوط رئيس ​تيار المستقبل​ رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ مع فاعليات من المنطقة من بينها اللواء السابق ​اشرف ريفي​، وبالتالي فإن الرفض السياسي لزيارة باسيل لا يمكن ان يرتقي الى الرفض الامني باستعمال السلاح، ناهيك عن ان التدابير المتخذة من قبل الجيش والقوى الامنية تختلف عن تلك المتخذة اصلاً في الجبل، وان العلاقة التي تربط باسيل بالحريري بعيدة كل البعد عن تلك التي تربط الاول بجنبلاط.

وفي ظل هذا الاختلاف الواضح في التعاطي مع زيارة باسيل، فإن القاسم المشترك بين الزيارتين يبقى شخص باسيل اولاً، ومشروعه في خلق حالة فريدة من نوعها ثانياً تتمثل بتحديه للظروف والمعطيات السياسية لخلق جوّ جديد، ولا شك انه كسب عدداً من المؤيدين بعد احداث الجبل، ليس بسبب مواقفه السياسية، بل بسبب اصراره على احداث "خرق" ما في المياه السياسية الراكدة، وتوق الناس الى نزع فكرة "الكانتونات" عن الواقع المناطقي اللبناني بالقول والفعل ايضاً.

اليوم، يبقى باسيل بعيداً عن "تسونامي" عون 2005، ولكن هل يسعى فعلاً الى الوصول الى هذا اللقب في الآتي من الايام، وفي حال اراد ذلك، هل سيصل الى غايته؟.