لا ينشغل ​حزب الله​ حاليا في البحث بخلفيات وتداعيات العقوبات الجديدة التي فرضتها واشنطن على رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النيابية، النائب ​محمد رعد​، والنائب ​أمين شري​، ورئيس وحدة الارتباط والتنسيق ​وفيق صفا​ في الحزب، فكما بدا واضحا في الاطلالة الأخيرة لأمين عام الحزب ​السيد حسن نصرالله​ استوعبت القيادة القرار الأخير وهي تتعاطى معه على اساس ان مفاعليه انتهت مع صدوره، بعكس ما يحاول البعض الترويج له لجهة انّ المنحى الجديد الذي اتخذته العقوبات يمهّد لتصعيد ولاجراءات تطال حتى حلفاء الحزب على الساحة اللبنانيّة.

وتتحدّث مصادر مطّلعة على أجواء الحزب عن 3 أسباب رئيسيّة دفعت الادارة الأميركيّة لانتهاج مسار جديد من خلال التصويب على اعضاء في المجلس النيابي، السبب الأول السعي لكبح اندفاعة حزب الله في الداخل اللبناني بعدما بات يمكن تحديد الخط البياني التصاعدي منذ الانتخابات النيابية لحركته وفعاليتها، لحد اتهام البعض رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ بتنفيذ سياسة وأجندة الحزب، ما دفع واشنطن للشكوى أمام أكثر من طرف من نفوذ الحزب في الدولة اللبنانية.

أما السبب الثاني الذي تتحدث عنه المصادر، فيرتبط برفض لبنان المشاركة في مؤتمر البحرين الممهّد لما يُعرف ب​صفقة القرن​، وهو ما تعتبره واشنطن مسّا مباشرا بالهيبة الأميركية في لبنان، ففي وقت لا تتردد ادارة الرئيس ​دونالد ترامب​ بتقديم المساعدات للجيش اللبناني وتستقبل قائدة مرفوعا على الراحات في الولايات المتحدة الاميركية، يأتي رفض الحكومة اللبنانيّة للمشاركة في هذا المؤتمر بمثابة صفعة لم تستوعبها واشنطن بعد.

ويرتبط السبب الثالث بفشل وساطة ترسيم الحدود والتي كانت تقودها الولايات المتحدة وتعول عليها، اذ تشير المصادر الى أنه وبعد أن كانت الأمور تبدو أنها شارفت على الانتهاء لاطلاق المرحلة الأولى من المفاوضات بين تل أبيب وبيروت، اتّهم لبنان بالتراجع وبسحر ساحر عن كل الايجابيات التي روج لها في المرحلة الماضية ما ترك نوعا من الاحباط عبّر عنه بصراحة المبعوث الأميركي ديفيد ساترفيلد.

ولا تقتصر الاجراءات الأميركيّة الجديدة على الاسباب الـ3 السابق ذكرها، فدور حزب الله بموضوع الموازنة لم يرق للاميركيين الذين يتابعون عن كثب هذا الملف، بحسب المصادر التي أكّدت أن هناك دورا كبيرا لعبه الحزب في مجال تخفيض الضرائب المفروضة على العسكريين اضافة الى ضريبة الـ2% التي وضعتها الحكومة على البضائع المستوردة. وتضيف المصادر: "استهداف نائبين من الحزب اضافة الى الدينامو صفا الذي ينشط على صعيد علاقة الحزب بالأحزاب والقوى اللبنانية، رسالة ذات عنوان واضح تصوب على الدور السياسي للحزب في الداخل اللبناني".

وبعكس ما تم الرويج له عن أن حزب الله طالب باصدار موقف لبناني رسمي من هذه العقوبات وذهب أبعد من ذلك بالمطالبة بطرد السفيرة اللبنانية، كان السيد نصرالله واضحا في اطلالته الأخيرة لجهة عدم استعداد الحزب احراج الدولة اللبنانية بأي من هذه المطالب. وفي هذا المجال قالت المصادر: "قيادة الحزب تعتبر ان البيانات والمواقف التي صدرت عن رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي ومجلس الوزراء أكثر من كافية".

وتستبعد المصادر ان يلي الاجراء الاميركي الاخير اي اجراء آخر سريع، لافتة الى ان الادارة في واشنطن تعتمد سياسة القطّارة في هذا المجال، أضف أن ليس من مصلحة أميركا على الاطلاق خسارة لبنان، وهو ما سيحصل لا شك في حال صوّبت على حلفاء الحزب الذي يشكّلون السلطة اللبنانيّة، خاصة وأن مشروعها خاسر في المنطقة، وايّ تدابير في هذا الاتجاه ستؤدي لارتماء لبنان أكثر في الحضن الايراني.

فهل ترضخ الادارة الاميركية لبعض الضغوط اللبنانيّة الداخليّة غير المعلنة التي تدفع باتّجاه "هز العصا" لحلفاء الحزب في لبنان ما يعطي دفعا للقوى والأحزاب المعارضة له؟ أم تكون التسريبات عن اجراءات جديدة في هذا الاتجاه كافية وحدها لدفع هؤلاء لاعادة حساباتهم والرجوع خطوة الى وراء في مجال الدعم المطلق للحزب وسياساته؟.