أكّد سفير ​لبنان​ لدى ​الكرسي الرسولي​ في ​الفاتيكان​ ​فريد الياس الخازن​، أنّ "العلاقات بين لبنان والكرسي الرسولي، دون أي شك، جيّدة ووطيدة. وهناك حرص متبادل من كلا الجانبين على توطيدها لكي تصبح من أفضل العلاقات"، موضحًا أنّ "ما يميّز العلاقات بينهما يكمن في أنّ الفاتيكان لا يطلب أي مقابل لقاء دعمه لبنان ووقوفه إلى جانبه وليست له مصالح خاصّة، كما تفعل دول أخرى".

ولفت في حديث صحافي، إلى أنّ "العلاقات مع الكرسي الرسولي شهدت بعض التوتر قبل مجيئي إلى روما، لأسباب يمكن أن نصفها بالإدارية لكنّها انتهت بعد تعييني هنا"، مبيّنًا أنّ "اليوم لا يحتلّ لبنان سلّم الأولويّات لدى الكرسي الرسولي، رغم اهتمام الفاتيكان ورأس الكنيسة به، فلم تعد هناك أزمات خطيرة يمكن مقارنتها مع الأزمات الّتي كانت تعصف به أثناء الحرب، فقد تغيّرت الظروف ولا خوف على لبنان". ونوّه إلى أنّ "بالنسبة إلى الهموم المشتركة، وأعني هنا مشكلة ​النازحين السوريين​ في لبنان، فيتفهّم الفاتيكان خصوصيّة الوضع اللبناني، وموقفه داعم للموقف اللبناني الداعي إلى إيجاد حلول أو آليّات لعودة النازحين إلى ​سوريا​ دون الانتظار إلى ما لا نهاية، أي إيجاد الحل السياسي الّذي قد يأتي أو لا يأتي".

وذكر الخازن أنّ "من المعروف أنّ ​البابا فرنسيس​ يدعو إلى فتح الأبواب لاستقبال النازحين، والمقصود بهذا الكلام ​أوروبا​ ومنها ​إيطاليا​، لكن هناك تفهّم تام من قبل الجميع في الفاتيكان، وأنا أتابع الموضوع شخصيًّا مع المسؤولين الكبار مثل وزير خارجية الفاتيكان الكاردينال ​بييترو بارولين​ وأمانة الدولة، فهم يعتقدون أنّ للبنان خصوصيّته وأنّه لا يمكن أن يستوعب مليونًا ونصف مليون نازح سوري، بالإضافة إلى نصف مليون من ​اللاجئين الفلسطينيين​؛ ما يؤثّر على صيغة التعايش اللبناني". وأكّد أنّ "هناك تفهّمًا كاملًا من قبل الفاتيكان لخصوصيّة الوضع اللبناني، وإن لم يعلن ذلك بشكل رسمي".

وفسّر أنّ "بالإضافة إلى العلاقات بين الدولتين، هناك علاقات مباشرة ومستمرّة بين الكنيسة الكاثوليكة في لبنان والكنائس الشرقية في المنطقة مع الكرسي الرسولي. وهناك اهتمام بالغ من قبل الفاتيكان بسوريا و​العراق​ وجهد مستمرّ لدعم المسيحيين وغير المسيحيين من المستهدفين من ​الإرهاب​. ويعمل الفاتيكان على مساعدة المسيحيين الّذين تدمّرت بيوتهم وكنائسهم وأديرتهم عبر المؤسسات الخيريّة التابعة له أو عبر مؤسسات مستقلة"، مركّزًا على أنّ "العلاقة لا تنقطع مع الكنائس ويديرها مجمع الكنائس الشرقية، وهو من أقدم المجامع الثابتة لدى حاضرة الفاتيكان، ويرعى الكنائس في ​الشرق الأوسط​ وفي ​أوروبا الشرقية​. هناك علاقات خاصّة بين الفاتيكان وبعض الكنائس، أهمّها ​الكنيسة المارونية​ الّتي لديها حضور تاريخي وعلاقات تاريخية مع الكرسي الرسولي".

وعن إعلان البطريرك الراحل ​الياس الحويك​ مُكّرمًا من قبل الكرسي الرسولي، أشار الخازن إلى أنّ "ظهر يوم السبت 6 تموز 2019، قرّر البابا فرنسيس تثبيت عيش بطولة الفضائل من قبل ​البطريرك مار الياس بطرس الحويك​ وأعلنه مكّرمًا. البطريرك الحويك عاش ببطولة الفضائل الإلهيّة والإنسانيّة والأخلاقيّة والإجتماعيّة. وبعد إعلانه مكرّمًا من قبل الفاتيكان وهي مرحلة تسبق التطويب ومن ثمّ التقديس، ولكل مرحلة من المراحل الآتية يجري العمل على إتمام شروط التطويب، أي التثبّت من الفضائل والأعمال الكبرى وهناك لجنة علمية تقوم بذلك". وشرح أنّ "إعلان التكريم هو المرحلة الأولى نحو القداسة. في النهاية من يقرّر كل ّذلك هو مجمع القديسين. وتجري دراسة الملف وإحالته إلى بابا الفاتيكان كما حدث أثناء مرحلة التكريم".

أمّا عن دوره كسفير ينتمي إلى عائلة نسجت علاقات تاريخيّة مع الكرسي الرسولي، أوضح أنّ "ل​عائلة الخازن​ ارتباطات تاريخيّة ليس فقط بالكنيسة المارونية بل وبالكرسي الرسولي مباشرة وذلك منذ القرن السادس عشر. والمطلوب تثمير هذه العلاقة اليوم. أنا شخصيا كنت قبل تعييني سفيرا، من المتابعين للعلاقة وملما بها. وكنت أشارك في عدد من اللجان، لا سيما المجمع البطريركي. المطلوب اليوم تفعيل كل الروابط بين لبنان والفاتيكان على المستوى السياسي والثقافي والديني، بالإضافة إلى المجال التربوي، لأن كل ذلك سيعود بمردود إيجابي على لبنان. لذلك علينا في لبنان إتخاذ المبادرة".

وشدّد تعليقًا على كلام البابا الراحل القديس ​يوحنا بولس الثاني​ عن لبنان، انّ لبنان رسالة كبلد للحرية والتعددية، على أنّه "كلام كبير للغاية إنطبع في سجلّات الكنيسة وفي لبنان. علينا كلبنانيين، ليس فقط التغنّي بالشعارات، بل إعطاء هذا الكلام مضمونًا وعلى أساس هذا المضمون تحويل المضمون إلى نتاج كي يكون لبنان رسالة. وهو فعلا البلد الوحيد الّذي يتمتّع بالحريات وتلتقي فيه الأديان بشكل عفوي، ونسمّي ذلك بالعيش المشترك برضا كامل مكوّنات ​الشعب اللبناني​ وغير مفروض من الدولة". وأوضح أنّه "البلد الوحيد في ​العالم العربي​ والإسلامي فيه عيش مشترك فعلي وحقيقي بالرغم من كل الخلافات السياسية وغيرها، لترجمة ما قاله البابا بولس الثاني، بخاصّة في ضوء ما استجد من تطورات دراميّة من تطرّف وعنف مرّت به المنطقة".

كما أفاد الخازن بأنّ "هناك فكرة لعقد مؤتمر يبدأ في روما وينتقل إلى لبنان، لمناسبة مرور 30 سنة على حديث البابا يوحنا بولس الثاني عن لبنان. إنّه كلام قاله عام 1989 ويتناسب مع طرح رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ حول إنشاء أكاديميّة التلاقي والحوار بين الأديان"، مركّزًا على أنّ "لبنان يجب أن يكون منصّة للحوار بين الأديان، ولقد تعزّز كلّ ذلك بعد إبرام وثيقة الأخوة الإنسانيّة من أجل السلام العالمي والعيش المشترك في ​أبو ظبي​".