لا تلبث حدّة الخلاف بين "​التيار الوطني الحر​" و"​القوات اللبنانية​" أن تتراجع على حساب تصدّر خلافات أخرى المشهد حتى تعود لتبلغ الذروة عند أول مناسبة أو استحقاق. فكما يبدو فإنّ استعار السجال والمواجهة بين الطرفين تَحوّل مصلحة لكل منهما لكسب مزيد من الشعبية والتأسيس للانتخابات الرئاسيّة المقبلة.

وقد بات واضحا ان قيادتي الحزبين اتخذتا قرارهما باستكمال المشوار حتى العام 2022، على ان يسلك كل منهما طريقا مختلفا، فاللقاء يضرّ ولا ينفع طالما رئيسي "الوطني الحر" و"القوات" على قناعة مطلقة بأحقيتهما بخوض المعركة الرئاسيّة وبخلافة ​الرئيس ميشال عون​. وترجّح مصادر مطلعة على المواقف والسياسة المستجدّة للطرفين أن يتّخذ الخلاف والسجال بينهما منحى تصعيديا مع مرور الاشهر والسنوات ليبلغ أوجه عشيّة الاستحقاق الرئاسي، فالمعركة انطلقت والمطلوب تأمين قاعدة شعبيّة قويّة ومتماسكة بالتزامن مع توسيع رقعة التحالفات السياسية قدر المستطاع والحصول على تأييد اقليمي ودولي يعزز الحظوظ الرئاسية. وتضيف المصادر: "مخطىء من يصدّق اعلان باسيل وجعجع على حد سواء أن سياستهما اليوم لا تقوم على اساس الاستعداد للكباش الرئاسي، فالاتهامات المتبادلة بين رئيس "القوات" ورئيس "الوطني الحر" حول محاصرة وضرب العهد الحالي، ليست من عدم وان كانت حجة باسيل أقوى بكثير من حجة جعجع في هذا المجال".

ويعتمد التكتيك القوّاتي على التأكيد على نجاح العهد والرئيس عون باعادة الهيبة والدور للمؤسسات، وهو ما كرّره جعجع أكثر من مرة في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، لينطلق منه للتشديد على أهميّة الاستمرار بحصر أيّ معركة رئاسيّة بين الاقطاب المسيحيين. فبعكس باسيل لا يشعر رئيس "القوات" بفائض قوّة يعزّز حظوظه الرئاسيّة لذلك يسعى مؤخرا لاستنهاض فريق 14 آذار، وهو ما دفعه لتصوير الصراع الحاصل في المرحلة الراهنة صراعا بين مشروعي 8 و14 آذار، حيث أجمع معظم الفرقاء على تداعيهما في العام 2016 على حساب ​التسوية الرئاسية​ التي سار بها "المستقبل" و"القوات" والتي ضمنت وصول العماد ميشال عون الى سدة الرئاسة.

ويبني القواتيون حساباتهم على أساس أنّ الصراع في المنطقة يحتدم وقد يكون من مصلحتهم بثّ الروح بفريق 14 آذار واستعادة الاصطفافات الماضية، لأن ذلك يجعل من جعجع مرشح مشروع ومحور في المنطقة اذا ما انتصر خلال السنوات المقبلة قد يساهم بتعبيد الطريق أمامه الى قصر بعبدا. وبنفس الوقت يعمل حزب "القوات" على مجاراة باسيل بموضوع الحقوق وان كان يعتمد مقاربات مختلفة، وهو ما يتجلى بوضوح بالمواجهة التي يخوضها وزير العمل بموضوع مكافحة العمالة غير الشرعيّة.

أما الحسابات العونيّة فتختلف تماما عن تلك القواتيّة، وتعتمد بشكل اساسي بالمرحلة الحالية على شدّ العصب المسيحي وتمتين علاقة باسيل بالقواعد الشعبية، ويتزامن ذلك مع سعيه للحفاظ على تحالفاته الاساسية وتقويتها وبخاصة مع حزب الله، على ان يسعى في مرحلة لاحقة الى توسيع رقعتها لاقتناعه بأنّ بعض الخلافات اليوم مع فرقاء آخرين تنفع ولا تضر.

بالمحصّلة، ما يمكن الجزم به بأن شهر العسل العوني-القواتي الذي لم يستمر أصلا أكثر من عام ولّى الى غير رجعة، وما هو مقبل يذهب الى مزيد من الخلافات والمواجهات التي ستنعكس على الشارع المسيحي الجاهز في ايّة لحظة لتخطي المصالحة!.