شدّد رئيس "​الرابطة السريانية​" ​حبيب افرام​، على أنّ "أخطر ما يصيب العالم أنّه فقد الضمير. يستفيق صباحًا على أخبار اضطهادات ومجازر، وينام على صور غرق أطفال وهجومات مسلحة، ويتسلّى كلّ النهار بنتائج حروب في ​العراق​ و​سوريا​ و​اليمن​ و​ليبيا​، وبأصوليّات تضرب في كلّ عاصمة؛ وهذا العالم لا يتحرّك"، مركّزًا على أنّ "لا قيادات، لا أصحاب قرار، وكأنّ عبء المسؤوليّة ثقيل. وكأنّ أغماض العين تلغي المشكلة".

ولفت في كلمة له في مؤتمر بعنوان: "منتدى بودابست للمراسلين المسيحيين في المجر"، بدعوة من قبل وزارة الشؤون الخارجية والتجارة، إلى "أنّني آتٍ من تاريخ اضطهاد. أنا السرياني المسيحي المشرقي، ضحية. أنا ابن "سيفو 1915"، جدٌّ اقتلع من طور عابدين في أولى مجازر القرن الماضي. نحن و​الأرمن​ أخوة الدم، وأنا ابن ضحية "داعش". وأوضح أنّه "اقتلع من بقي منّا من ​نينوى​ والخابور، من العراق وسوريا. ويريد البعض أن ينكر أنّ هناك اضطهادًا أو مجازر وحتّى إبادة؟ يريد غربٌ أن يتفلسف علينا، أن نموت بصمت وأن لا نعكَّر صفاءه. ويريد شرقٌ أن يسيل دمنا دون أن يلوّث ثيابه، وهو سلفًا يغسل يديه منا".

وبيّن افرام أنّ "أوّل تصدّ، أوّل جرأة الاعتراف أنّ هناك مشكلة وإبادة، أن هناك في هذا العالم الواسع اضطهادات لا تنتهي، وعلى رأسها ​مسيحيو الشرق​"، مبيّنًا أنّ "أسوأ ما يحصل مع مسيحيي الشرق أنّهم أصبحوا "على الموضة الآن" متأخّرين جدًّا، وقليلًا جدًّا يسعى حكام الغرب لإعطاء صورة أنّهم يهتّمون. والأكثر مُكرًا أنّ حلولهم "تعالوا إلينا"، اتركوا هذه الأرض المعذّبة وانعموا عندنا بالحياة، أي أنّهم يكملون بطريقة خبيثة ما فعله "داعش" بطريقة وحشيّة. ويسألون في صالوناتهم، ماذا يريد المسيحيون أكثر من فتح باب الهجرة؟ هذه سياسات الجبن".

وذكر أنّ "الحقيقة أنّ مسيحيي الشرق هم السكان الأصيلون لهذه الأرض، وحضورهم فيها ثروة تاريخيّة حضاريّة، ولهم كلّ الحقوق ليكونوا مواطنين متساوين في المواطنة. هذا هو الصراع، شرق متنوّع متعدّد بالقوميّات والإثنيات والأديان والمذاهب على قاعدة المساواة وكرامة كلّ إنسان، وإلّا عارٌ على البشريّة".

وأكّد أنّ "هذه هي حقوق كلّ إنسان وكلّ جماعة، ليس فقط حريّات دينيّة أي أن يسمح له بممارسة شعائره أو أن يذهب إلى كنيسة"، مشيرًا إلى أنّ "الشرق ليس لقوميّة واحدة، ليس الكل عربًا، وليس لدين واحد، ليس الكلّ مسلمين، وليس لمذهب واحد، ليس الكل سنّة، وليس لحكامه بل لشعوبه. الكلّ ضيوف عند الكلّ"، منوّهًا إلى أنّ "السنّة في ​إيران​ أقليّة، ​الشيعة​ في ​السعودية​ أقليّة، ​الأكراد​ في 4 بلدان أقليّة، ​الأقباط​ في مصر أقلية، المسيحيون في ​لبنان​ والمسلمون فيه يتشاركون في صناعة القرار الوطني هو نموذج خاص. كيف ندير التنوع في هذا الشرق؟".

كما رأى افرام أنّ "كلّنا متساوون. لا دين أفضل من دين، ولا مذهب أفضل من مذهب، ولا قوميّة أفضل من قوميّة. شرعة حقوق الإنسان توجّهنا، وإذا لم يكن عندنا إيمان عميق أكيد واضح صريح بأنّنا متساوون، فلا حلول". ولفت إلى أنّه "قد وصل بنا الأمر إلى الكفر بالمؤسسات العالمية، فيبدو أنّ ​الأمم المتحدة​ لا تصدّر إلّا بيانات "القلق"، ولا يهمّها كلّ هذا الجنون العالمي والدم والقتل والذبح". وبيّن "أنّنا نتّهم العالم باللامبالاة. صحيح أنّ بعض الإغاثات والمبادرات ساعدت قليلًا جدًّا على التخفيف من عبء ​النزوح​ واللجوء، على أنّ هذه المؤسسات مازالت تفتقر إلى الروح والنضال من أجل الحقيقة".

وسأل: "هل يمكن ل​أوروبا​ أن تلعب دورًا مفصليًّا، هي الّتي أقرب إلى نبض الشرق؟ أكيد إذا كانت أوروبا تعرف ماذا تريد، ما هي القيم الّتي تحرّكها، أم فقط المصالح؟ هل تكتفي كلّ دولة بقبول عدد من المضطهدين وتعتبر أنّها أدّت قسطها للعلى؟ هل أوروبا قادرة على بلورة أسس ومبادئ في سياساتها الخارجيّة ترفض فيها أيّ مجازر، وتصرّ على المحاسبة، وترفض فيها أيّ اضطهاد، وتصرّ على المساواة في المواطنة وتضغط على الحكام لذلك، وترفض تهميش القوميّات والطوائف الصغيرة وتساعدها على التجذّر والبقاء والصمود؟".

وركّز على أنّ "أوروبا أصلًا نموذج تنوّع قومي واثني ولغوي تجمعها مبادئ ومصالح. فلماذا لا يكون هناك "اتحاد مشرقي" مثل "​الاتحاد الأوروبي​"، على أن يكون "علمه" الحريات وحقوق كلّ إنسان وكلّ جماعة". وتساءل: "ماذا نفعل في المنتديات العالميّة؟ النكتة أنّ هناك الآن "سياحة مؤتمرات" أنّنا نأتي إلى ندوات لا قرارات فيها ولا توصيات ترفع للحكومات ولا متابعات ولا حلول للمعذبين والمضطهدين. مطلوب ثورة في عقولنا، تغيير حقيقي في النظرة إلى الشرق. إنّه ليس فقط أمن إسرائيل ونفط ننعم به، إنّه شرق للجميع".