صَعِد يوسف ومريم إلى ​بيت لحم​ ليكتتِبا في مدينتها بحسب الأمر الصّادر عن أغوسطوس قيصر، والذي هدفَ إلى إحصاء كلّ المعمورة(لو2: 1).

بيت لحم هي قرية يوسف، ومن الطبيعي جدّاً أن يجد له فيها مكاناً يأويه مع خطيبته مريم الحُبلى، التي ستضع ابنها بين حينٍ وآخر. ولكنّ المفاجأة كانت، بأنّه لم يجد لهما مكاناً يأويهما! فالنُّزل كانت لِمَن يملِكون أموالاً، وكانت مُكتظّة بالناس الآتين من أماكن إقامتهم، لغاية الإكتتاب نفسها. ولكن، وبعد بحثٍ، وجدا لهما زاويةً في إسطبل كان يُستعمل كحظيرةٍ لإيواء القطعان في فترة الشّتاء.

لم يجدا لهما مكاناً في الفندق، فوجدا لهما مكاناً في الإسطبل. الإسطبل هو المكان المَنسيّ الذي ينتمي إلى ​العالم​ السّفلي حيث الشّقاء و​الفقر​. بعكس الفندق الذي هو في المكان البارز الذي يأوي الناس في غرفه وساحاته الداخليّة، ويُقيم فيه المشاهير والأغنياء وأصحاب النّفوذ ورفيعي الشأن وأسياد وأعيان القوم، وغيرهم من ميسوري الحال. الإسطبل هو المكان السّفلي المنسي والمجهول، والفندق هو المكان البارز، المرئي والمعلوم.

وُلِد يسوع في الإسطبل أي في ذلِك المكان السّفلي والمَنسي من دون أن يحصل على ما يحصل عليه أفقر الفقراء؛ الدفء واللباس، مع أنّه خالق الشّمس ومُعطي الكائنات الدفء ومُلبس الزنابق حُللاً فضفاضة!.

لا أحد كان متوقّعاً أن يأتي الله إلى العالم بهذه الطريقة، أي من الباب الخلفي وبطريقة خفيّة، ولهذا السبب لَم يعرفه الكثيرون، ولم يؤمن به الكثيرون. أمّا مَن عرفه، فقد عرف أنَّ مَن كان داخل الإسطبل ليس ولداً عادياً، وإنّما الطّفل المُخلِّص. وعرف أيضاً أنه ليس في مغارة، بل في العالم الجديد. ووحدهم المتواضعون يعرفون يسوع حيث هو.

هذا العالم الجديد الذي دخلنا فيه بإيماننا بالإبن المتجسّد يفرض علينا أن نفتح أنظارنا على الشقاء البشري الذي هو أمام أنظارِنا: على الأشخاص الذين لا سقف فوق رؤوسِهم يحميهم من الجوع والفقر والتشرّد والموت والإغتصاب والإعتداءات الجنسيّة وسوء الإستخدام والإستغلال الوظيفي والتسلّط... وأن نُشغّل مفاعيل المحبّة التي تجعلنا قريبين من إخوتنا، فندافع عن حياتهم وحقوقهم وكرامتهم، ونسعى إلى الوقوف إلى جانبهم بكلّ ما أوتينا من مواهب، ونُسرِع في التّعبير لهم عن أخوّتنا في أعمال محبّة نابعة من قلوب أحسنت استقبال الله، وأيقنت أنها لا ترتاح إلاّ على سرير الخدمة.

لنُصّلّي من أجل أن تتحقق العدالة المفقودة، وأن يُعطينا الربّ أن نكون أدوات تحقيقها في العالم. آمين.