بعد تعرّض السفارة الأميركيّة في ​بغداد​ ومُحيطها، لأكثر من هُجوم صاروخي خلال الأشهر الماضية، وُصولاً إلى تعرّض قاعدة عسكريّة في كركوك شمال العراق لهجوم صاروخي أسفر عن مقتل مُتعاقد مدني أميركي وعن جرح العديد من العسكريّين الأميركيين، ردّ ​الجيش الأميركي​ بقُوّة، حيث إستهدفت سلسلة من الغارات الأميركيّة خمسة مواقع تعود إلى كتائب "حزب الله" العراقي(1)، في كلّ من ​سوريا​ والعراق قبل بضعة أيّام، ما أسفر عن مقتل 25 شخصًا وإصابة أكثر من 50 آخرين، الأمر الذي إعتبره أكثر من مُراقب ردًّا مُبالغًا فيه جدًا، ويُعرّض المنطقة لمخاطر شديدة، حيث أنّ ردّ القوى المَدعومة من ​إيران​ لن يتأخّر! وإكتمل المشهد الأمني المُقلق، بعد تسرّب تقارير عن خطط ​إسرائيل​يّة ترمي إلى إستغلال الضُغوط الأميركيّة المُتصاعدة على إيران، عبر توجيه ضربة عسكريّة إسرائيليّة واسعة جدًا في سوريا، ضُدّ مواقع تابعة لوحدات عسكريّة مُسلّحة ومُدرّبة من إيران. فأين سيقود هذا التصعيد، وهل يُمكن أن ينخرط لبنان-عبر "حزب الله"، بالكباش العسكري الأميركي–الإسرائيلي المُتصاعد ضُدّ إيران؟.

بالنسبة إلى حُدود المُواجهة التي يمكن أن يبلغها التوتّر الأميركي–الإيراني الحالي، فهو لا يُمكن بأيّ شكل من الأشكال أن يصل إلى حرب مُباشرة بين الطرفين، لألف سبب وسبب. وأقصى ما يُمكن حُصوله هو تعرّض المصالح والبعثات الأميركيّة في العراق، لمزيد من الهجمات العسكريّة والمخاطر الأمنيّة. ويتردّد بعيدًا عن الأضواء، أنّ النظام الإيراني الذي كان قد نفى أيّ علاقة له في الهجمات التي إستهدفت المصالح الأميركيّة في العراق، وإستهجن الضربات الغادرة ضُدّ كتائب "حزب الله" العراقي، لا يُمكنه السُكوت عن الضربة العسكريّة الأميركيّة القاسيّة التي حصلت مطلع الأسبوع الحالي، وهو أوعز للميليشيات المُسلّحة والمُموّلة من قبله داخل العراق، بتحضير ردّ عسكري مُوجع يستهدف الوجود العسكري الأميركي في العراق. ومن المُمكن أن تحمل الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة، الإجابة الشافية لطبيعة هذا الرد ولحجمه، والذي لا يُمكن فصله عن التوتّر المُستمرّ–لكن مضبوط السقف، على مُستوى العلاقات الأميركيّة–الإيرانيّة.

وفي كلّ الأحوال، مهما حصل من ضربات عسكريّة مُتبادلة في العراق، بين الأميركيّين من جهة، والميليشيات الحليفة لإيران من جهة أخرى، فإنّ هذا التصعيد لا يُهدّد الأمن اللبناني. لكن المُشكلة تكمن في إحتمال قيام إسرائيل بشنّ ضربات عسكريّة واسعة النطاق ضُدّ النُفوذ الإيراني في سوريا، إمّا بتوجيه أميركي مُباشر في إطار رمي ​واشنطن​ بكل أوراقها على طاولة المُفاوضات مع ​طهران​، وإمّا بأمر مُباشر من رئيس الوزراء الإسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​ الذي يمرّ بفترة سياسيّة صعبة ودقيقة، حيث أنّه يُواجه إتهامات داخليّة بالفساد يُمكن أن تقوده إلى السجن في حال إدانته(2)، علمًا أنّه يُواجه أيضًا إنتخابات صعبة هي الثالثة من نوعها خلال أقلّ من سنة واحدة، ستتمّ في إسرائيل في الثاني من آذار المُقبل، ويُمكن أن تُنهي مسيرته السياسيّة في حال خسارته مُجدّدًا(3)، حيث يتوقّع الكثير من المُحلّلين السياسيّين في إسرائيل، إنتهاء مرحلة تفرّد نتانياهو بالسُلطة وربّما خروجه من الساحة السياسيّة خلال العام 2020 الجاري. وبالتالي، من المُحتمل جدًا أن يلجأ رئس الوزراء الاسرائيلي إلى الهروب للأمام من مشاكله، عبر شنّ هجوم صاروخي واسع النطاق على البنية التحتيّة العسكريّة التي تبنيها إيران في سوريا منذ سنوات، مُستفيدًا من الغطاء الأميركي الحالي.

وإذا كان الردّ على الغارات الأميركيّة في العراق لن يتجاوز الساحة العراقيّة–كما هو مُتوقّع، فإنّ الرد على أي تصعيد إسرائيلي ضُدّ المصالح الإيرانيّة في سوريا، يُمكن أن يتجاوز الساحة السُوريّة. وبشكل أدقّ يُمكن أن تتصاعد المُواجهة وتتطوّر، بحيث تشمل لبنان، بإعتبار أنّ "حزب الله" يُشكّل جزءًا أساسيًا من المَنظومة العسكريّة التي بنتها إيران في سوريا، ويُمكن أن يكون مُستهدفًا بأيّ ضربات واسعة قد تشنّها إسرائيل في سوريا. وبالتالي، في حال نفّذ نتانياهو خططه بضرب المواقع والمُنشآت العسكريّة التي تم تأسيسها من جانب حلفاء إيران في سوريا خلال السنوات القليلة الماضية، بشكل واسع يفوق الضربات الصغيرة المُتفرّقة التي يشنّها بين الحين والآخر، فإنّ الردّ العسكري الذي سينطلق من سوريا ضدّ إسرائيل، يُمكن أن يتطوّر ويتوسع تبعًا لمُجريات المُواجهة التي ستحصل، خاصة في حال حظي نتانياهو بضوء أخضر أميركي لضرب النُفوذ الإيراني في سوريا بشكل قاسٍ، ردًا على الضوء الأخضر الروسي بإنهاء أيّ ورقة أميركيّة على الساحة السُوريّة، عبر حسم معركة إدلب والمناطق الأخرى التي لا تزال خارج سُلطة النظام السُوري، عسكريًا.

1 تشكّلت كتائب "حزب الله" العراقي، عام 2003، بعد الهجوم العسكري الأميركي على العراق والذي أطاح بنظام الدكتاتور الراحل صدّام حسين، وتتهم واشنطن هذه الكتائب بتلقّي التدريب العسكري من "حزب الله" اللبناني والسلاح من إيران، وهي أعلنتها منظّمة إرهابيّة إعتبارًا من العام 2009.

2 الإتهامات تشمل الرشوة وإساءة الأمانة والإحتيال، في ثلاثة ملفات فساد، لكنّ المعركة القانونيّة يُمكن أن تمتدّ لسنوات عدّة.

3 أخفق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بتشكيل حُكومة بعد الإنتخابات التي جرت في نيسان من العام 2018، وبعد الإنتخابات التي جرت في أيلول 2018 أيضًا، من دون بروز مُؤشّرات بإمكان تغيير هذه النتيجة في إنتخابات آذار المُقبل.