عندما خرج النوّاب من ​الجلسة التشريعية​ التي إنعقدت في ​قصر الأونيسكو​ كان نوّاب ينتمون إلى ثلاث كتل نيابية، إثنان منها ممثَّلان في الحكومة، يتحدثون عن "عدم جهوزية الحكومة في طرح ملفاتها". كان أحدهم يقول: لقد راهنت زملاءنا خلال إجتماع كتلتنا النيابية منذ أيام أن الحكومة لن تقدّم مشاريع قوانين مدروسة وجاهزة مرتبطة بالتخفيف من أزمات القطاعات الإقتصادية. أعطى النائب نفسه مثلاً عن قطاعات المطاعم والفنادق والتجارة التي ستدخل في غيبوية طويلة تنعكس سلباً على آلاف العاملين في هذه القطاعات بشكل مباشر، وآلاف آخرين بشكل غير مباشر. تستمر أحاديث النواب المذكورين لدقائق أمام قصر الاونيسكو، يستذكر فيها أحدهم مداخلة كان أدلى بها النائب السابق ​إميل رحمة​ في أواخر فترة الدورة النيابية الماضية. يومها تحدث أثناء الأوراق الواردة، وهي مهلة ثلاث دقائق يعطيها رئيس المجلس لكل نائب يريد أن يقدّم مداخلة ما، فطلب رحمة حينها في كلمته التي جاءت من خارج الاهتمامات أن تُستعاد هيبة وقيمة المراكز السياسية والحكومية في لبنان، مستحضراً تاريخ عمالقة السياسة، وإستذكر تشكيلة حكومة ١٩٨٤ التي كانت تضم أسماء قيّمة وذات هيبة وثقل سياسي: رئيس الحكومة ​رشيد كرامي​، والوزراء آنذاك ​كميل شمعون​، ​نبيه بري​، ​سليم الحص​، وليد جنبلاط، بيار الجميل، عادل عسيران، عبدالله الراسي، وآخرين. أراد النائب نفسه الذي يتحدث مع زملائه امام قصر الاونيسكو أن يعود لمداخلة رحمة لإجراء مقارنة بين أمس واليوم: لا يعني ذلك ان رئيس الحكومة ​حسان دياب​ مقصّر في أدائه، ولا يعني إنتقاصاً من دوره، لا بل على العكس تزداد القناعة يوما بعد يوم أن دياب يدير الحكومة كما يشاء، من دون أن يعكّر عليه اي وزير أجواء ما يفرضه لكل الوزارات وفي الجلسات الحكومية. لكن النواب والصحافيين الذين تواجدوا في الجلسة التشريعية لم يلمسوا من الحكومة الا صدى صوت رئيسها. لم تحضّر الحكومة جدول أعمالها كما تفرض المرحلة، ولم تقدّم مواد للتشريع، بل بدا معظم وزرائها تائهون، رغم وجود قلة من الوزراء قادرين على المساهمة في تقديم الرؤى الى جانب رئيس الحكومة، كوزيرة العدل التي تتمتع بقدرات واضحة في أدائها الموزون. ماذا كانت تفعل الحكومة في إجتماعاتها المكثّفة طيلة الفترة الماضية؟ هنا اساس المشكلة التي تظهّرت في الجلسة التشريعية. لم يناقش ​المجلس النيابي​ خطة الحكومة الرامية لتعزيز "الامن الاجتماعي" عبر قروض ميسّرة وإعانات، والتي تتضمّن حجز اعتماد من خارج الموازنة بقيمة 1400 مليار. لماذا؟ السبب هو ان الحكومة عرضت الخطة على المجلس النيابي بموجب كتاب من ​رئاسة مجلس الوزراء​ وليس من خلال مرسوم يتضمّن مشروع قانون عبر مجلس الوزراء ، وفقاً للاصول الدستورية والتشريعية. هنا طلب رئيس ​مجلس النواب​ نبيه بري من الحكومة اعادة ارسال مشروع قانون وفقا للأصول، واحال الاقتراح الى اللجان لمناقشته للاسراع في اقرار مشروع القانون فور وروده الى دوائر المجلس خلال العقد التشريعي. لكن بدلاً من تصحيح المشكلة والسير بأصول التشريع وعرضه على أول جلسة لمجلس الوزراء لإعداد مشروع قانون بموجب مرسوم، قامت الحكومة بتحميل النوّاب مسؤولية عدم إقرار الخطة دون مشروع قانون.

لذا ايضاً، كان النواب المشار اليهم يستذكرون كلام زميلهم السابق إميل رحمة، للمقارنة بين وزراء كانت تعرفهم حكومات لبنان ووزراء اليوم.

من جهة أخرى برز السؤال حول مصادر الاموال التي تريدها الحكومة: هل ستكون مقابل سندات خزينة من ​مصرف لبنان​؟ وبما انّ لا أموال متوافرة سوى أموال المودعين، يعني أن المصدر هو أموال الناس. فلماذا لا يجري تسيير امور المودعين الصغار المحتاجين بتلك المبالغ التي هي حقوق للشعب؟.

واذا كان التصويب حصل بحق بري، وتحميله المسؤولية، فقد أتى بيان الأمانة العامة لمجلس النواب مختصراً ومعبِّراً: على الحكومة ان تتعلم كيفية ارسال مشاريع القوانين إلى مجلس النواب قبل التطاول عليه. لكن الحملة لم تقف عند تلك الحدود، بل طالت زوراً نواب كتلة التنمية والتحرير بشأن التصويت على اقتراحات ومشاريع قوانين مهمة، كرفع الحصانة عن الوزراء والنواب الذي ايّدته الكتلة المذكورة، علما انه مقدّم من احد أعضائها النائب ​هاني قبيسي​ مع عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله.

اما قانون رفع ​السرية المصرفية​ المقدم من النائب ​ميشال ضاهر​، فسقطت عنه صفة العجلة بالتصويت، لكن كتلة التنمية والتحرير كانت صوّتت لصالحه، مؤيدة إقراره. واللافت أيضا ان إقتراحات كانت تقدّمت بها النائب ​بولا يعقوبيان​ ايدها نواب من الكتلة المذكورة.

بجميع الأحوال، اظهر المجلس النيابي جهوزية في النقاش والطروحات، واقرّ مشاريع مهمة كنفق البقاع وغيره. فيما المطلوب من الحكومة أن ترتقي الى مستوى المرحلة من خلال مشاريع مدروسة واضحة وجاهزة تفوّت على خصومها فرصة التصويب عليها. لا يبدو ان الحكومة تساعد نفسها، بسبب أداء بعض وزرائها المتواضع جدا. قد تنقصها الخبرة والحنكة وعلم إدارة الأزمات التي تتطلّب خبراء لا وزير يؤكد عمله انه آتٍ لمرة اولى واخيرة. المشكلة لم تكن عند رئيس المجلس في جلسة الأونيسكو، بل عند حكومة غير جاهزة.