حتى الساعة لم تتّضح صورة المشاركة في لقاء بعبدا الوطني، الذي دعا إليه رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، وتولّى رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ العمل على تأمين أوسع مشاركة فيه، إنطلاقاً من قدرته على التواصل والحوار مع قوى المعارضة، لا سيّما رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ ورئيس "الحزب الإشتراكي" النائب السابق ​وليد جنبلاط​، بالإضافة إلى رئيس تيار "المردة" النائب السابق ​سليمان فرنجية​.

إنطلاقاً من ذلك، سعى بري إلى الإجتماع بكل من الحريري وفرنجية وجنبلاط، بهدف إقناعهم بالمشاركة بسبب حساسية المرحلة الراهنة التي تمر بها البلاد، في ظل الأوضاع المالية والإقتصادية الصعبة، بالإضافة إلى مخاطر الفتنة المذهبية التي ظهرت في الشارع، في الفترة الماضية، في أكثر من مناسبة.

في هذا الإطار، حسم جنبلاط سريعاً قراره بالمشاركة، في حين كان الحريري، مع رؤساء الحكومات السابقين ​نجيب ميقاتي​ و​تمام سلام​ و​فؤاد السنيورة​، قد أرسل رسالة سلبيّة على قاعدة أنّ المطلوب ألاّ تكون المشاركة شكليّة، بينما فرنجيّة لم يعطِ موقفاً واضحاً، لكن ألمح إلى أمر جوهري، يتعلق بالمكوّن الثاني، الذي يعتبر أنه غائب عن السلطة التنفيذية، وبالتالي فتح الباب أمام مساومة من العيار الثقيل.

وبعيداً عن موقف باقي الشخصيات والكتل النيابية، خصوصاً حزبي "​القوات اللبنانية​" و"​الكتائب​"، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الأساس هو موقف المكوّن السني، نظراً إلى أنّ الغياب عن اللقاء سيمثل إنتكاسة كبيرة له، خصوصاً بعد أن رفع رئيس تيّار "المردة"، بشكل أو بآخر، صفة التمثيل الوازن لباقي الشخصيّات التي تدور في فلك قوى الثامن من آذار، وبالتالي لم يعد من الممكن أن يقال أن حضور رئيس الحكومة ​حسان دياب​، أو أيًّا من ممثلي "اللقاء التشاوري"، ينوب عن أو يغطي غياب الحريري وباقي رؤساء الحكومة السابقين، وهو دفع البعض إلى طرح فكرة تأجيل الموعد، لحين تأمين ظروف أفضل، في حال غياب المكوّن السني.

من وجهة نظر هذه المصادر، هذه المعادلة يراد لها من قبل واضعيها الدخول في لعبة مساومة جديدة، تقوم على السؤال عن ثمن المشاركة في تأمين نجاح لقاء بعبدا، أي أنّ الحريري ورؤساء الحكومة السابقين، بالإضافة إلى فرنجيّة، يريدون ثمناً مقابل الحضور إلى القصر الجمهوري، على قاعدة أنّ هذا اللقاء سيعيد الحيويّة إلى دور رئاسة الجمهوريّة في جمع مختلف القوى والشخصيّات السّياسية والحزبيّة، الأمر الذي ينبغي التوقف عنده ملياً، نظراً إلى أنّه لا يمكن أن يتمّ من دون موافقة أو التنسيق مع جهات أخرى، خصوصاً رئيس المجلس النيابي.

حتى الساعة، لم يظهر الثمن الذي يريده هؤلاء من العهد أو من "​التيار الوطني الحر​" مقابل المشاركة، لكن المصادر نفسها تؤكّد أنّ ذلك لا يمكن أن يكون إسقاط حكومة دياب، نظراً إلى أنّ الجميع يدرك هذه المرحلة الّتي لا تسمح بالذهاب إلى مثل هذا الخيار، في ظلّ عدم القدرة على الإتّفاق على البديل أو على شكل الحكومة التي ستليها، وبالتالي الذهاب إلى مثل هذا التوجّه يتطلّب تسوية أكبر لم تظهر أيّ معالم لها، حتى الساعة، لأنّ غيابها يعني العودة إلى مرحلة المراوحة التي سبقت تسمية دياب، بعد إحراق أكثر من اسم مرشح ل​رئاسة الحكومة​ في الطريق إلى ذلك.

بالنسبة إلى المصادر السّياسية المتابعة، الثمن الذي يريده هؤلاء من المرجّح أن يكون دفع "التيار الوطني الحر" بالذهاب إلى التهدئة، حيث يشعرون أنه يريد من معركة ​مكافحة الفساد​ والإصلاح إستهدافهم، وهو ما عبّر عنه رئيس تيار "المردة" لدى فتح ملف الفيول المغشوش، وما أكّد عليه الحريري في أكثر من مناسبة، وترى أنّ التلاقي بين فرنجيّة ورؤساء الحكومة السابقين في هذه المعركة مؤشّر على الذهاب أبعد في التنسيق والتعاون بين الجانبين، على قاعدة التلاقي في المصالح في مواجهة "التيار الوطني الحر".

في المحصّلة، تجزم هذه المصادر أن نجاح لقاء بعبدا هو أساسي في مواجهة المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان، لكنها تدعو إلى مراقبة التطوّرات التي سترافق هذا اللقاء، سواء بالنسبة إلى مشاركة القوى التي لم تحسم موقفها أو مقاطعتها، نظراً إلى أن ذلك سيكون مؤشّراً على كيفيّة التعامل مع المرحلة المقبلة محلياً.