لن يتوقف الضغط الأميركي على "​حزب الله​"، ومن يواليه في ​لبنان​، الذي سيبقى حتى إشعار آخر ساحة كباش وتصفية حساب. ويسلك الضغط طرقا متشعبة من استحضار "​المحكمة الدولية​" وطرح الحياد، والهدف تحميله مسؤولية ما يحصل، وتجييش مروحة واسعة من الرأي العام اللبناني، لا في البيئات السنّية، ​المسيحية​ والدرزية فحسب، بل داخل بيئته الشيعية وهي في صلب المكون اللبناني.

على أن الخطورة تكمن في تفسير دعوة ​البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي​ إلى تحييد لبنان، وكأنها تندرج في مخطط استهداف فئة معينة، ودفع الأمور إلى ذروة التأزيم والمواجهة، علما ان ​بكركي​ تنفي بشدة أي صلة لطروحات سيدها بأي أجندة سياسية دولية أو اقليمية، بل هي ناجمة عن قراءة للوضع الذي يُغرق لبنان في قيوده، وله أسبابه وحيثياته المعلنة. ان ​وزير الخارجية​ الأميركية ​مايك بومبيو​ الذي أكد ثوابت ​سياسة​ بلاده حيال ​الجمهورية​ الإسلامية في ​إيران​ و"حزب الله"، وعدم تبدلها مع تبدل الرئيس وأركان الإدارة، يقفل الباب أمام أي رهان على إمكان حصول أيّ تراجع في الحدّة بين ​واشنطن​ وطهران في الأشهر المقبلة.

لكن ثمة من يجزم أن فشل الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ في السباق إلى ​البيت الأبيض​، سيفتح الافاق أمام حلول ممكنة بنسبة تتراوح بين العشرين والخمسين في المئة. إلا أن احتمالات التصعيد تبقى مرتفعة، وعندها لا خيارات أخرى سوى خيار الحرب. الذي سيكون هذه ألمرة مختلفا عن حرب العام ٢٠٠٦. ففي ذلك التاريخ حارب "حزب الله" على جبهة واحدة، هي جبهة ​الجنوب​. لكنه اليوم بات قادرا على على تحريك ساحات المواجهة من ​أفغانستان​ إلى لبنان، مرورا ب​العراق​ و​سوريا​، و​فلسطين المحتلة​ و​اليمن​. وحدة الجبهات في مواجهة الضغط المتمادي، قد لا تغيّر المعادلات، بل تعدّل في قواعد اللعبة.

لا انفراج في طالع الايام، ولا ​انفجار​، لكن الخيار الثاني يتقدم، كلما اشتد الخناق، وسُدّت السبل في وجه الحوار والطروحات السلمية. على أن الواضح أن هناك قرارا أميركيا بعدم شفاء لبنان وعدم تعافيه، وبابقائه في منزلة بين هاتين المنزلتين. وأن ثمة هامشا قبلت به واشنطن عندما استشعرت أن هناك توجها جادا نحو ​الصين​، ونزوعا إلى قبول العروض الإيرانية بالمساعدة على فك الطوق المطبق على عنق هذا البلد الواقع، بسبب موقعه "الجيوسياسي" على فالق الزلزال السياسي الدولي‐الإقليمي. من هنا كانت " قبة الباط" الأميركية للعراق، واعطاء الأصفر للكويت، لمساعدة لبنان على توفير الحد الأدنى من مقومات ​الثبات​، إلى أن تزفّ ساعة الاستحقاق الكبير.

وان زيارة وزير الخارجية الفرنسيّة قريبا إلى ​بيروت​ ستضبط الإيقاع، وسيكون من شأنها ارخاء الأصابع التي تضغط بقوة على عنق لبنان، من دون أبعادها عنه. وفي عود إلى بيت القصيد: الاساس هي نتيجة ​الانتخابات الاميركية​، لأنه في حال استطاع دونالد ترامب تجديد إقامته في البيت الأبيض ستنشأ معادلة جديدة: الحرب اذا عاد ترامب.