لم يكن الشّارع ال​بيروت​يّ المُنتفض، مؤهّلاً لتلقُّف رسائل الرّئيس الفرنسيّ الضّيفإيمانويل ​ماكرون​، عقب ​انفجار​ المرفأ الهيروشيميّ، على رغم أنّ الأخير كان واضحًا في كلامه، ومنذ المقدّمة، إذ قال: "إنّ هدف زيارتنا ​لبنان​، هو قبل كلّ شيء، دعمنا للشّعب اللّبنانيّ وللبنان حرّ وفخور وسيّد"... وهذا ما أثبته المؤتمر الخاص لدعم لبنان، الأحد الماضي، ومن خلال مكتب الرّئيس الفرنسيّ نفسه، والّذي أعلن أنّ "​فرنسا​ حصلت على تعهّدات بقيمة 252،7 مليون يورو، لتقديم مساعدة للبنان على المدى القريب... وهذا ما كان أعلنه الرّئيس العماد ​ميشال عون​، أن "الحصار المفروض على لبنان قد كُسر".

وأَمّا المُستغلّون لصُفوف الحزانى، والمفجوعين، وأَهل الشُّهداء، وكلّ مَن أَصابه مكروه مِن جرّاء هذا الانفجار المُستنكر، فلعبوا ورقتهم الأَخيرة، في إِحراق ملفّاتٍ من وزاراتٍ تعرّضوا لها، كون "المحكمة" آتية لا محالة، وكلّ مُتورّطٍ سيدخل السّجن.

وقد كان ماكرون وفيًّا لوعده، فعُقد الأَحد "المؤتمر الدّوليّ لدعم بيروت والشّعب اللّبنانيّ"، مِن دون وساطة الحريريّة السّياسيّة ولا منيّتها... وقد صار ما بعد الرّابع من آب، غير ما قبله... كما وبات في إمكان لبنان أَن ينهض مجدّدًا. فـ"مُكوّنات الأَمل الجديد" الّتي لحظها ماكرون في الشّارع البيروتيّ، لم يسمح الظّرف القاسي للحركة الاعتراضيّة برؤيتها، وهم غير مُلامين على ذلك... فحتّى بعض السّياسيّين "الأَبرياء من دم كُلّ صدّيقٍ"، أَخطأُوا في استقالاتهم، ولم يصمدوا حتّى النّهاية كي يخلُص الوطن!...

يبقى أنّ الأهمّ الآن، بدء العمل على "إعادة الثّقة والأَمل"، وهذا ما يعمل عليه الرّئيس ميشال عون، وقد زادت فرصه في ضوء الدّعم الدّوليّ الكبير للبنان. لذا قد تكون بيروت الجريحة مِن أَبنائها، قد شهدت السّبت الماضي، الجولة الأَخيرة للبَلطجيّين، لطمس الحقائق المُرعبة، عبر التّعرُّض للوزارات، وحرق المُستندات، وتحريف الأَنظار عن جريمتهم في مُحاولة منهُم لتحرير أَسيادهم المسؤولين عن ​تفجير​ العاصمة، من سجنٍ مُحتّمٍ لهُم، غير أَنّه سيبقى قدرهم مهما طال الزّمن، مع رفع الغطاء عنهُم حتّى أَميركيًّا... ولذا، فقد أَطلق هؤُلاء، ما يُشبه قنابل التّعمية، في التّعرّض للرّئيس، المُصرّ على الوصول إلى الحقيقة كرمى لدم الشُّهداء، وفي إنزال صور رأس الدّولة المعلّقة في الوزارات والمقارّ الرّسميّة، والتّطاول عليها لحرف الأنظار جريمتهم الأُخرى. وكأنّهم في ذلك إنّما أرادوا القول: "إنّ صورة الجنرال الملصقة على جدران الشّوارع البيروتيّة في زمن الاحتلال، والّتي كانت تُخيف المُحتلّ، فإِنّها لا تُخيف الفاسدين... وإِذا ب​الفساد​ أَخطر شرًّا، وأَكثر فتكًا بالمجتمع اللّبنانيّ من الاحتلال.

وأَمّا مُشغّلو هؤُلاء فقد أَخطأُوا بدورهم، أَو أَنّهم يُدركون أَنّها المُحاولة الأَخيرة لهُم للإِفلات من العقاب، وفي الحالتين فقد سقط هدفهم...

وفي "عزّ" حال البلبلة، الّتي سبقت زيارة الرّئيس الفرنسيّ كما وأَعقبتها، لم يتنبّه البعض لكلامٍ سياسيٍّ كبيرٍ أَطلقه ماكرون في حديثه عن "إِعادة تكوين عقدٍ سياسيٍّ جديدٍ"، ما يطرح مستقبل اتّفاق الطّائف على المحكّ، إِذ إِنّه كبّل رئاسة الجمهوريّة، وجعلها محدودة الصّلاحيّة، وبخاصّةٍ إِزاء الأُمور البالغة الخُطورة، وهذا ما يدركه الفاسدون، للمضيّ في فسادهم... مُستفيدين من الظّرف المُؤاتي.

و"مِن الآخر" قال ماكرون: "فرنسا لا يُمكن أَن تحلّ مكان السّيادة اللّبنانيّة"، والشّعب اللّبنانيّ قد انتخب نوّابه، و"إِن أَراد تغييرهم ففي شكلٍ ديمقراطيّ"، موجّهًا كلامًا واضحًا إِلى السّياديّين الجُدد، المُطالبين بعودة الانتداب الفرنسيّ...

إِنّ "سوء استخدام حريّة التّعبير"، الّتي سبقت كما الزّيارة الفرنسيّة كما وأَعقبتها، وصولاً إِلى ليل الأَحد، وقت الإِعلان عن دعمٍ دوليٍّ كاملٍ للبنان، قوامه 36 دولة، تدلُّ إِمّا على قراءةٍ تحليليّةٍ خاطئةٍ، أَو فرصةٍ أَخيرةٍ للنّفاد من العقاب، غير أَنّ أَحدًا بعد اليوم، لا يمكنه الوقوف في وجه تردُّدات انفجار المرفأ.