تتزامن ذكرى الانتصار التاريخي والاستراتيجي للمقاومة في 14 آب عام 2006 على أشرس عدوان صهيوني تعرّض له لبنان، بعد اجتياح عام 1982، مع حصول كارثة الانفجار أو التفجير المدوي والمهول في مرفأ بيروت في 4 آب 2020، والذي ترافق مع حملة مشبوهة جديدة استهدفت توجيه سهام الاتهامات لحزب الله بالتسبّب بوقوع التفجير، رغم كل الوقائع التي تكشف زيف فيلمهم الجديد لإعادة إنتاج سيناريو التحقيق الدولي الملغوم، وهو ما يتصادف أو يتلاقى مع استعداد المحكمة الدولية الخاصة بإصدار قرارها في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والذي أرجئ إصداره الى 18 الشهر الحالي ويتوقع أن يُجرّم حزب الله باتهام قيادته وكوادر منه في الوقوف وراء تنفيذ جريمة الاغتيال، بما يشكل أكبر جريمة تزوير في تاريخ القضاء الدولي الذي يستند في إصدار قراره إلى شهادات زور وتقارير مفبركة انفضحت مع انكشاف الشاهد الملك محمد زهير الصديق وغيره من الشهود المأجورين، الذين وفرت لهم الحماية الغربية من التعرّض للملاحقة.. وتمّ تجاهل دورهم الذي انكشف في تضليل التحقيق الدولي واعتقال الضباط الأربعة لمدة اربع سنوات بناء على شهاداتهم المزوّرة…

أولاً، من الواضح أنّ استمرار حملة الاتهامات الملفقة ضدّ حزب الله المقاوم، بعد تفجير مرفأ بيروت، إنما يندرج في ذات المسار الذي يتناغم مع الأهداف الأميركية من فرض الحصار المالي على لبنان، والسعي إلى استغلال الأزمة العاصفة بلبنان وشعبه والاحتجاجات الاجتماعية، في محاولة لمحاصرة المقاومة بهدف إجهاض نتائج انتصارها، الذي شكل تحوّلاً هاماً في مسار الصراع العربي الصهيوني، وكرّس المقاومة قوةً هامةً في معادلة الصراع وفرضت معها معادلة جديدة من توازن الرعب والردع في البر والبحر أجبرت العدو على وقف عدوانه والتسليم بعدم القدرة على تحقيق أهدافه وسقوط مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به كونداليزا رايس… ومنذ ذلك الوقت ينعم لبنان بالأمن والاستقرار نتيجة الحماية التي وفرتها قوة المقاومة المنتصرة الرادعة للعدوانية الصهيونية، ولهذا يحاذر كيان العدو الذهاب إلى شنّ عدوان جديد على لبنان نتيجة هذه المعادلة الردعية التي فرضتها المقاومة وعززتها انتصاراتها على قوى الإرهاب في الجرود اللبنانية السورية عام 2017، وانتصارات محور المقاومة في سورية..

ثانياً، من البيّن أنّ التفجير، أو الانفجار في مرفأ بيروت قد جاء في توقيتِ ذكرى انتصار المقاومة ليطغى عليه، ويحوّل الأنظار عن مأزق كيان العدو الصهيوني الناجم عن تآكل قوّته الردعية في مواجهة المقاومة المتنامية قوّتها، كمّاً ونوعاً وقدرةً وخبرةً، لا سيما بعد فضيحة اشتباك وحدات جيش الاحتلال في ما بينها نتيجة التوهّم بحصول هجومٍ للمقاومة، وذلك نتيجة حالة التوتر وانهيار أعصاب ضباط وجنود العدو وهم ينتظرون ردّ المقاومة الآتي على استشهاد أحد كوادرها في العدوان على دمشق… لذلك عبّر الصهاينة عن فرحهم للاتهامات التي وُجهت لحزب الله بالضلوع في تفجير مرفأ بيروت، والتي أطلقها بعض وسائل الإعلام اللبنانية والسياسيين من قوى 14 آذار ومحاولتهم الضغط لفرض تشكيل لجنة تحقيق دولية، لتكرار نفس سيناريو التحقيق الدولي اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، من هنا فإنّ كلّ من يطالب بتشكيل هذه اللجنة إما أنه يريد إبعاد الأنظار عن المسؤولين الحقيقيين في إبقاء شحنة نيترات الأمونيوم في المرفأ منذ عام 2013، أو أنه ينخرط في المخطط الأميركي الهادف إلى زيادة الضغط على حزب الله وحلفائه ووضعهم في موقف الدفاع عن النفسِ، ومحاولة فرض تشكيل حكومة موالية لواشنطن تتولى تنفيذ الشروط الأميركية التي تخدم كيان العدو الصهيوني.. انطلاقاً من أنّ السياسة الأميركية في لبنان والمنطقة إنما تبنى على أساس خدمة أمن «إسرائيل» وتمكينها من تحقيق أهدافها في تشريع وجودها غير الشرعي، وبلوغ أطماعها في ثروات لبنان في البحر والبر.. وهو ما تعكسه مواقف المسؤولين الأميركيين التي تخيّر لبنان بين مواجهة الجوع أو الرضوخ للشروط الأميركية الإسرائيلية.. كما تعكسه دفع ترامب الإمارات العربية المتحدة الى الاتفاق مع «إسرائيل» على إقامة علاقات رسمية معها خدمة لرئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو والمشروع الصهيوني الذي يسعى لتحويل «إسرائيل» إلى كيان طبيعي في المنطقة، وتمكينها من فرض هيمنتها عليها، اقتصادياً وأمنياً وسياساً، في إطار الدور المرسوم لها من قبل النظام الرأسمالي الاستعماري الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية..

ثالثاً، لكن من يقرأ الواقع جيداً يدرك أنّ ظروف 2005 ليست هي نفس ظروف 2020 بالنسبة للولايات المتحدة والقوى الموالية لها في لبنان..

1 ـ موازين القوى في البرلمان اللبناني لمصلحة حزب الله وحلفائه.. فهم يملكون الأغلبية التي تتحكم بتسمية الشخصية التي ستكلف تشكيل الحكومة، ولهذا لن يسمحوا بتشكيل حكومة على هوى واشنطن.. كما لن يسمحوا بتكرار تشكيل لحنة تحقيق دولية..

2 ـ رئيس الجمهورية حليف لحزب الله، وداعم قوي للمقاومة…

3 ـ قوة المقاومة ازدادت كماً ونوعاً وقدرة، بعد الانتصارات والخبرات التي حصلت عليها في محاربة قوى الإرهاب في سورية والجرود اللبنانية السورية.. وكذلك حصولها على أسلحة نوعية مثل الصواريخ الدقيقة مما عزز قدرتها الردعية في مواجهة الاحتلال الصهيوني…

من هنا فإنّ محاولة استغلال جريمة تفجير مرفأ بيروت والكارثة الإنسانية التي نتجت عنها لزيادة منسوب التدخل الأميركي الغربي في شؤون لبنان الداخلية والضغط أكثر لإحداث انقلاب أميركي على مستوى السلطة لتغيير المعادلة السياسية لمصلحة السياسة الأميركية، على غرار ما حصل عام 2005، ليس ممكناً.. قد يكون بإمكان واشنطن هز الاستقرار الداخلي ودفع لبنان الى عدم الاستقرار لوجود قوى محلية تغلب مصلحة أميركا على المصلحة الوطنية اللبنانية، لكن ليس باستطاعة أميركا والموالين لها، إخضاع المقاومة وحلفائها وفرض شروطها عليهم، ومحو نتائج حرب تموز، التي لا زالت شاهدة على هزيمة كيان العدو الصهيوني وتحوله الى قوة مردوعة وخائفة من مواجهة المقاومة.. قد يكون بقدرة الإدارة الأميركية دفع لبنان الى الفوضى واشعال حرب أهلية، لكن موازين القوى تميل لمصلحة حزب الله وحلفائه من القوى الوطنية والتيار الوطني الحر، الأمر الذي لن تكون النتائج لمصلحة واشنطن، ولهذا فقد حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أنّ استمرار العقوبات على لبنان يصبّ في مصلحة تعزيز حزب الله وحلفائه…