"فها أنا أبشِركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب، إنه قد وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلِّص هو المسيح الرب"... هذه الولادة العظيمة للمخلّص لم تمرّ مرور الكرام عبر الأزمنة، ميلاد يسوع رسم طابعا آخر للبشرية وأعطى بعدًا آخر للإنسان بالمحبّة المطلقة من دون أن يكون لها ضوابط أو حدود. يحتفل المسيحيون بعيد ميلاد السيّد المسيح في الرابع والعشرين من شهر كانون الأول وتبدأ التحضيرات مع بدايات الزمن الطقسي لكل طائفة من الطوائف المسيحية، فعيد الفرح بميلاد المخلّص يُلبِس الانسان المتجدّد بهذه الولادة النور المنبثق من نور الأنوار، ومنه ترتدي المنازل والمناطق حلّة من نوع آخر.

في كلّ عام كانت تتنافس البلديات في المناطق اللبنانية على أجمل زينة ميلاديّة ولكن الحال هذا العام يختلف عن عمّا سبقه، فالأزمة الإقتصادية وارتفاع سعر صرف ​الدولار​ ألقيا بظلالهما حتى على أجواء العيد و​زينة الميلاد​، ورغم الأوضاع الصعبة أبت بعض البلديات إلا أن تخلق من الكآبة والاختناق المعيشي جوًّا من الفرح بالزينة المعتادة حتى ولو عبر اللجوء الى إستعمال ما كان موجودا في السابق. وهنا يلفت رئيس ​بلدية الجديدة​، البوشرية والسد ​أنطوان جبارة​ الى أننا "لن نجدّد في الزينة الميلادية هذا العام بل ستبقى نفسها وسنلجأ الى اضاءتها، حتى لا نحرم الناس من فرح العيد وفي نفس الوقت لا امكانية لدينا للقيام بجديد".

زينة قديمة

يشرح جبارة أننا "لجأنا الى هذا الخيار لأنّ تحصيلات البلدية هذا العام لا تتعدى 20%، بينما كانت في السنوات السابقة تصل الى حوالي 80%"، لافتا الى أننا "لا نستطيع أن نصرف من الاحتياطي الذي نملكه لنستمرّ أطول فترة ممكنة".

وحال الجديدة هو نفسه في جبيل وغيرها، فمدينة الحرف التي حصلت على أجمل زينة شجرة في العالم، أبت هذا العام ورغم كلّ الأوضاع السيئة إلا أن تلبس حلّة العيد ولو بأقل من "ضخامة" السنوات السابقة، والفضل يعود إلى ​المصارف​ التي كانت ترعى النشاط الميلادي سابقا، بحسب ما يؤكد رئيس ​بلدية جبيل​ ​وسام زعرور​، مشيرا الى أنه "في كلّ عام ترعى المصارف النشاط وتصل قيمة التمويل الى مئة ألف دولار، أما السنة الحالية ومع أزمة البنوك فلا تمويل، وهذه أول نقطة دفعتنا الى عدم وضع زينة جديدة لأن الصندوق البلدي نترك أمواله للأمور الطارئة"، لافتا في نفس الوقت الى أن "هناك أشخاصا في مدينة جبيل ساعدونا ماديا واستطعنا جمع ثمن الاضاءة التي تدفع بالدولار".

"شجيرات صغيرة"

"زحلة أيضاً كما بقية المدن ستلبس حلّة العيد". ويشير عضو ​بلدية زحلة​ ميشال عبود لـ"النشرة" الى أن "البلدية ستلجأ الى تزيين مدخل المدينة والمنارة ولو بما هو معتاد، وبالموجودة لدينا ولن نلجأ الى شراء جديد"، لافتا الى أننا "سنضع مغارة ميلاديّة في ساحة شهداء زحلة". في حين أن رئيس بلدية جبيل وسام زعرور يعود ليتحدث عن الأشجار الطبيعية التي كانت البلدية تلجأ اليها للزينة، ويقول "منذ سنتين بدأنا بوضع شجيرات صغيرة طبيعية بجانب بعضها، وحاليا لم يعد بإمكاننا ذلك لأن اسعارها ارتفعت جداً"، لافتا الى أنه "وفي كلّ عام وبعد إزالة الزينة كنا نقوم بتوزيعها على أهالي المدينة".

ريسيتالات ميلادية

يرى وسام زعرور أن "اللجوء الى تزيين المدينة بشكل مميّز كان له مردوده الكبير على التجار، إذ كان يزور جبيل عددا كبيرا من الناس للرؤية ديكور عيدي الميلاد ورأس السنة ويتناولون الاطعمة في المطاعم ويتسوقون..."، مضيفا: "هذا العام قررنا اضاءة الشارع الروماني، اضافة الى اضاءة مئة شجرة". في حين أن ميشال عبود يلفت الى أننا "سننظّم ستة عشر ريسيتالا ميلاديا من ضمن برنامج زحلة ترنّم في ستة عشر كنيسة من الكنائس القديمة، واتفقنا مع سبع جوقات ترنيم من المدينة"، مشيرا الى أن "تلك الريسيتالات ستنظّم على ستة أيام"، مشدداً على أننا "سنلتزم السلامة العامة بحيث أنه لن يكون في كلّ كنيسة أكثر من 40% من نسبة قدرتها الاستيعابية".

إذاً، أبت البلديات إلا أن تحتفل بالعيد على طريقتها، على أمل أن تمرّ هذه الأيام الصعبة على اللبنانيين بسلام وتعود الطمأنينة وراحة البال.