لوحظ انّ قرار الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على وزير الخارجية السورية الدكتور فيصل المقداد، تزامن مع تصعيد في الحرب الاقتصادية والعقوبات الأميركية الشرسة التي تستهدف مسؤولين وحركات وقيادات في حلف دول وقوى المقاومة من إيران والعراق مروراً بفلسطين واليمن ولبنان وانتهاء بسورية.. وهي سياسة تكشف الوجه الإجرامي لإدارة العدوان في واشنطن التي لا تتوانى عن استخدام كلّ ما تملك من قدرات وإمكانيات لتصعيد حربها الاستعمارية الإرهابية للانتقام والثأر لهزائمها في حروبها المباشرة وغير المباشرة وفشلها في تحقيق أهدافها وخاصة فرض الهيمنة والسيطرة على كامل المنطقة وتمكين كيان العدو من تصفية قضية فلسطين والتسيّد على المنطقة.

لكن على ماذا يدلّل هذا التزامن؟

أولاً، انّ الحكومات الأوروبية إنما هي شريكة في حروب الإرهاب والحصار الاقتصادي والعقوبات، التي تقودها الولايات المتحدة ضدّ دول وحركات المقاومة، وليس صحيحاً مطلقاً ما يُقال عن وجود اختلاف بين الموقف الأوروبي والأميركي على هذا الصعيد، وإذا ما وُجد خلاف فإنه يقتصر على التكتيكات التي يجب اعتمادها، لتحقيق الأهداف الاستعمارية الغربية، تماماً كما هي حال الخلاف بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، وهو خلاف لا يطال جوهر السياسة الاستعمارية، وإنما يقتصر على الطرائق والسبل لتحقيقها، خصوصاً عندما تفشل الحروب العسكرية في ذلك وتصبح عبئاً على أميركا..

ثانياً، انّ الحكومات الأوروبية تنافق عندما تدّعي اعتراضها على السياسات الأميركية، تجاه إيران وسورية، وهي تسعى من خلال ذلك إلى زرع هذا الوهم لدينا، بهدف إيجاد هامش من المناورة من قبل هذه الحكومات الاوروبية للعب دور تسويق الأهداف الأميركية الغربية عندما تصطدم بحائط مسدود في سعيها لإخضاع حكومات الدول المستقلة في المنطقة الرافضة للهيمنة الاستعمارية، وحركات المقاومة لشروطها، أو عندما تفشل قوّتها الغاشمة في إسقاطها هذه الدول المستقلة، والقضاء على حركات المقاومة..

ثالثاً، انّ الحكومات الأوروبية الاستعمارية، لا سيما بريطانيا وفرنسا، هي من زرع كيان العدو الصهيوني في فلسطين ودعمه، عندما مكنت العصابات الصهيونية من غزو فلسطين وساعدتها في دفع اليهود، وخصوصاً الشباب منهم، على الهجرة الى فلسطين لاستيطانها واستعمارها وطرد سكانها العرب أصحاب الأرض، منها… وانّ الولايات المتحدة تولت في ما بعد مواصلة مهمة دعم هذا الكيان الصهيوني المصطنع، ليكون القاعدة المتقدمة لإبقاء الوطن العربي مقسّماً وخاضعاً للسيطرة الاستعمارية الغربية، للاستحواذ على ثروات العرب من نفط وغاز بما يحقق التقدّم والازدهار والرخاء في الغرب على حساب الشعب العربي..

رابعاً، إنّ الحكومات الغربية تثبت أنها حكومات تابعة للولايات المتحدة لا تملك الاستقلالية ولا الجرأة في مخالفة السياسة الأميركية، وهذا ما تبيّن، انّ من خلال حذوها حذو واشنطن في فرض العقوبات على وزير الخارجية السوري، وفرض الحصار على سورية، وإقدامها على تصنيف حركات المقاومة ضدّ الاحتلال تنظيمات إرهابية، أو من خلال عدم التزامها تنفيذ بنود الاتفاق النووي مع إيران، الذي وقعت عليه، ومحاولتها أخيراً التبرّؤ من نكوثها بالتزاماتها، واتهام إيران بأنها تعرّض الاتفاق للخطر، لأنها قرّرت ممارسة حقها المشروع بالعودة إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين بالمئة بعد أن بقيت ملتزمة تطبيق الاتفاق منذ عام 2015 وحتى نهاية عام 2020 قبل أن تقرّر وقف التزماتها به.. بما يؤكد أنّ الحكومات الغربية تمارس سياسة النفاق من جهة، والخضوع للسياسة الأميركية من جهة ثانية…

هذه الدلالات يجب أن تشكل أساساً للعمل بمقتضاها في ما خصّ الموقف من السياسات الغربية.. وهذا لا يعني ألا نستفيد من التناقضات التي قد تنشأ بين الدول الغربية والولايات المتحدة، لكن في نفس الوقت المطلوب عدم الرهان على تحوّل جوهري في الموقف الأوروبي لناحية تأييد حقنا بالتحرّر من الاحتلال والهيمنة الاستعمارية واستغلال ثرواتنا بعيداً عن نهب الشركات الغربية، لأنّ الرأسماليات الغربية قامت وانتعشت وازدهرت على نهب ثرواتنا، فهي كانت وراء تمزيق وتجزئة الوطن العربي بعد الانتهاء من الهيمنة العثمانية، من خلال تنفيذ مخطط سايكس بيكو بين القوى الاستعمارية الغربية التي تقاسمت السيطرة على المنطقة ورسمت حدود دولها بما يحقق مخططاتها الاستعمارية..

من هنا فإنّ قوى الاستعمار الأميركي الغربي إنما هي متفقة في أهدافها لناحية دعم كيان العدو الصهيوني، وإخضاعنا لسيطرتها، ومنعنا من التحرّر والاستقلال والتحكم بثرواتنا، وهذه القوى الغربية إذا ما اختلفت فإنها تختلف على تقاسم السيطرة الاستعمارية.. ولهذا فإنها جميعاً كانت ولا تزال وراء شن الحروب الإرهابية في سورية وليبيا والعراق، ودعمت الحرب السعودية الأميركية على اليمن، وتحصل لقاء ذلك على بيع السلاح للسعودية التي تواصل حرب تدمير اليمن في محاولة يائسة لاخضاعه، كما دعمت الدول الغربية وتواصل دعم الجماعات الإرهابية، وتستخدم الحرب الاقتصادية والعقوبات سلاحا لتجويع جمهور دول وقوى المقاومة وإرهاب قيادتها، في محاولة لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه بواسطة حروبها العسكرية والإرهابية..