منذ منتصف الأسبوع الماضي، دخلت البلاد مرحلة جديدة على وقع إنسداد الأفق على المستوى السياسي، حيث بات من الواضح أنّ غالبيّة القوى إختارت الإنتقال إلى الشّارع لتوجيه الرسائل، الأمر الّذي ترجم بموجة واسعة من التّحركات، تزامنت مع إنهيار سريع في سعر صرف ​الليرة​ مقابل ​الدولار​، بعد أن كانت في الماضي تحرص على دعوة المواطنين الّذين يلجأون إلى الشّارع إلى إفساح المجال أمام المفاوضات السّياسيّة.

هذا الواقع، ساهمت في تأكيده العديد من الأوساط السّياسيّة الّتي أشارت أنّ ما يحصل في الشّارع لا ينحصر في التحركات الشعبية، بل على العكس من ذلك يأتي في سياق الضّغوط لفرض التّنازلات على مستوى الملفّ الحكومي بشكل أساسي، على قاعدة أنّ البلاد لم تعد تحتمل حالة المراوحة القائمة، الأمر الّذي كان قد بدأ مع إنتقال السّجال السّياسي إلى مستوى جديد، بعد بيان رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​ الّذي تناول فيه "​حزب الله​" للمرّة الأولى منذ فترة طويلة.

في هذا السّياق، بات من الواضح، بحسب ما ترى مصادر مطّلعة عبر "النشرة"، أنّ الموجة الجديدة من التّحركات لا يبدو أنّها ستكون قصيرة المدى، حيث أنّ هناك من يريد الإستمرار بها حتى تحقيق الأهداف المطلوبة منها، أيّ فرض التّنازلات على كلّ من رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ ورئيس "​التيار الوطني الحر​" النائب ​جبران باسيل​. وهو ما يتأكد من خلال تسريب معلومات على نطاق واسع بأنّ التّحرّكات الّتي سيشهدها الأسبوع الحالي ستكون على نطاق أوسع، لا سيما إذا ما ترافقت مع إستمرار الإنهيار في سعر صرف الدّولار.

بالنسبة إلى النّقطة الأخيرة، تشير هذه المصادر إلى أنّه لم يعد سرّاً أنّ تحريك سعر الصّرف يأتي دائماً في إطار الرّغبة في الضغط على المستوى السّياسي، إلّا أنّ اللعبة هذه المرّة من دون سقف، بحسب ما يظهر، بدليل تجاوزها الحدود المعقولة، في حين أنّ هذا السّلاح كان في الماضي، تحديداً منذ تكليف الحريري، يستخدم ضمن إطار محدّد، كان يُصنّف على أساس أنّه الهامش السّياسي في هذه اللعبة، الأمر الّذي من المفترض أن يكون العامل الأساسيّ في دفع المواطنين إلى الشّارع.

وفي حين تنظر العديد من القوى السّياسيّة بعين الرّيبة إلى دخول مناطق جديدة على خط التّحركات في الشّارع وعمليات قطع الطّرق، لدى أوساط سياسيّة متابعة قراءة مختلفة لما يحصل في الوقت الرّاهن، حيث تشير إلى أنّ الهدف الأساسيّ هو تحسين أوراق القوّة قبل الوصول إلى مرحلة التسوية الإقليميّة، نظراً إلى أنّ خطوط التّواصل على هذا الصّعيد مفتوحة والنّتائج من المفترض أن تبدأ بالظهور مع بداية الشّهر المقبل.

وتشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أنّ غالبية القوى المحلّية تدرك جيّداً أنّه عندما يحين موعد التسوية لن يكون لها القدرة على معارضتها، خصوصاً أنّها أثبتت طوال الأشهر الماضية عدم قدرتها على إنتاج الحلّ المحلّي بعيداً عن المؤثّرات الإقليميّة والدّوليّة، وبالتّالي هي تريد اليوم أن ترفع من أسهمها كي لا تكون تلك التّسوية على حسابها أو على حساب نفوذها في السّلطة.

على الرغم من ذلك، تلفت المصادر نفسها إلى أنّ مشاركة بعض القوى الجديدة في التّحرّكات يوحي بأنّ الأمر قد يكون أبعد من ذلك، أي ليس فقط إنتظار التّسوية الخارجيّة بل إستعجالها على قاعدة أنّ الأمور بدأت تخرج عن السّيطرة في الشّارع، في حين أنّ الحفاظ على الإستقرار المحلّي لا يزال أولويّة لدى معظم القوى الخارجيّة الفاعلة على السّاحة اللّبنانية.

في المحصّلة، لعبة الشّارع اليوم هي محض سياسيّة بالدّرجة الأولى، حيث هناك من يريد إستغلال أوجاع المواطنين، لا بل زيادتها، لتحقيق أهداف معيّنة، على أمل أن لا تذهب هذه اللعبة بسبب خطورات أن تقود إلى توتّرات أمنية بدأت بعض معالمها بالظّهور.