أحيت ​الطوائف​ ​المسيحية​، التي تتبع التقويم الغربي، رتبة ​الجمعة العظيمة​، في مختلف الكنائس والأديرة، ففي دير مار الياس- ​انطلياس​، ترأس الرتبة ​الاباتي انطوان راجح​، والقى عظة أشار فيها الى أننا "نحن اليوم في ظل جائحة غير منظورة تكشف عري البشرية التي وصلت الى تأليه ذاتها باختراعاتها، وادت الى افقار سريع لبلدنا وبلدان اخرى، افقار بلبل حياتنا وقضى على زهونا واحلامنا، فاصبحنا ضعفاء وعراة امام ما يفتك بنا، واصبحت بديهيات الحياة مفقودة، لكن المسيح استطاع ان يظلم السماء كي يستر عرينا، وبرهن عن عظمة ومخرج لم يتوقعهما البشر، ونحن اليوم نؤمن انه ما زال قادرا ان يستر عرينا بطريقة لا تخطر على بالنا".

وتابع: "مع كل الالم الذي يحمله الصليب فهو ليس باعثا للحزن بل يحمل الحياة ويبيد النتانة فينا ويحيي العطر، ولكن ذلك يتطلب مرورا طويلا ب​الصوم​ والالم والصبر لخروجنا الى القيامة ولكي يستند ايماننا على قدرة الله"، واعتبر أن "صلباننا متنوعة وكثيرة اليوم، ولكن يجب ألا نسمح لهذه الصلبان أن تبعدنا عن مسيحنا ويجب الا يدب فينا اليأس في ما يتعلق بحقيقة المسيح بسبب اي شر في المجتمع لاننا عاجزون عن معالجته بوسائلنا البشرية، فصليبنا هو صليب الصبر والانتظار بفضيلة الايمان بالرغم من كل ما هو مفسد للرجاء والامل".

وختم راجح: "اذا كنا ننتظر خلاصا بشريا وسلاما مزيفا وعابرا فنكون مخطئين، اما اذا كنا ننشد فرح القلب عربون الحياة الحقيقية غير المحدودة في الزمن فنسجد كلنا اليوم امام صليب يسوع لنستمد منه النور لان تأملنا بعمق سره يخرج من ضعفنا قوة ويطهرنا من الافكار السيئة التي تشوش عقلنا، ونتوجه الى ام يسوع قائلين: فليكن موت ابنك حياة لنا ولطالبيها".

وفي جبيل ترأس راعي ابرشية جبيل المارونية ​المطران ميشال عون​، في ​كنيسة السيدة​ في ​عمشيت​، ​رتبة سجدة الصليب​، مشيرا في عظته الى اننا "نحن لا نبكي اليوم على يسوع بل نستقبل حبه بحياتنا، الحب الذي يعطي المعنى لكل الآلام والمظالم الموجودة على ارضنا، فيسوع البار اراد ان يحقق كل نبوءات العهد القديم، لم يدافع عن نفسه بل حمل كل الام البشرية والمظالم والخطايا لكي يعطينا بقيامته الانتصار والمعنى لكل شيء يحصل في حياتنا.

وأوضح أننا "نعيش اليوم اياما صعبة في وطننا ​لبنان​، فالى جانب انتشار وباء ​كورونا​ في كل العالم، يضاف اليه الكم من المشاكل بدءا بالمشكلة السياسية الخانقة التي انعكست ازمة اقتصادية ومعيشية ومالية، حيث الكثير من ابنائنا يتألمون ويفقدون الرجاء، لذلك نسأل يسوع لكي ينظر الى آلامنا ويحولها الى ألم خلاصي، فالمسيحي لا يتذمر لكنه يتعلم ان يحمل الصليب مع الرب يسوع، الذي تحول معه من ارداة للظلم والهوان الى صليب نور وحياة".

وفي منطقة ​البترون​، ترأس راعي أبرشية البترون المارونية ​المطران منير خيرالله​ الرتبة في كاتدرائية مار إسطفان، والقى عظة بعنوان "يسوع يموت على الصليب وهو يحب ويغفر"، أوضح فيها أنه "من على الصليب، وبينما ​يسوع المصلوب​ يظهر، وهو ابن الله العلي القدير، أنه محتقر ومزدرى من الناس ومن أهل بيته وشعبه، يكشف سر الله، سر الحب اللامحدود للبشر. وفيما هو يموت يملأ الموت بالحب، هذا الحب المجاني الذي يبذل ذاته الى أقصى الحدود. فتأتي الشهادة من قائد المئة، هذا الوثني، فيقول: حقا كان هذا الرجل ابن الله. دهش بالحب المبذول حتى النهاية لأنه رأى يسوع يموت ظلما وهو يحب ويغفر، ويزرع الحب حتى في الموت، فانتصر على الموت بالحب والمغفرة. وترك لنا وصيته الأخيرة والوحيدة التي تلخص الكتب وتعاليم الأنبياء والشريعة: أحبوا بعضكم بعضا كما أنا أحببتكم. وما من حب أعظم من أن يبذل الانسان نفسه في سبيل أحبائه" (يوحنا 15/12ـ13). أحبوا أعداءكم وصلوا من أجل مضطهديكم، لتصيروا أبناء أبيكم الذي في السماوات (متى 5/44)".

أضاف: "فلنتطلع الى يسوع المصلوب اليوم أمامنا ومعه الآلاف من المصلوبين في مجتمعنا ووطننا، وهم: المرضى من وباء كورونا وغيره من ​الأمراض​ المزمنة والمميتة، والمتألمون، والمنبوذون، والمحتقرون، والمظلومون، وفاقدو الكرامة والحرية، و​الفقر​اء، والجائعون الى ​رغيف الخبز​، وضحايا الحروب والإنفجارات والتهجير، والمجرمون والظالمون عن اليمين وعن اليسار. ونقول له: حقا أنت ابن الله! أنت ربنا وإلهنا! كم تحبنا من على صليبك وكم تظهر لنا أننا محبوبون من الله بالرغم من ضعفنا وخطايانا وجرائمنا! أذكرنا يا يسوع إذا ما جئت في ملكوتك".

وختم: "أعطنا يا يسوع أن يصبح كل واحد منا طاقة محبة تتفجر في سبيل خدمة كرامة الانسان وحريته وإعادة بناء مجتمعنا على القيم المسيحية والانسانية، وبناء وطننا لبنان وطنا رسالة في الحرية والديموقراطية واحترام التعددية في العيش الواحد الكريم".

وفي ​طرابلس​، ترأس المونسنيور ​نبيه معوض​، رتبة سجدة الصليب، في ​كاتدرائية مار مارون​، وحمل الأباء نعشا رمزيا للسيد المسيح وطافوا به في أرجاء الكنيسة، وسط الصلوات وقرع الاجراس، وألقى معوض عظة تناول فيها معاني المناسبة، واكد ان "المسيح جاء ليخلص العالم من الخطيئة والشر"، ودعا المؤمنين الى "التسامح وترسيخ ​المحبة​ و​السلام​ والابتعاد عن الكراهية والانانية"، آملا "ان تنجلي الغيوم السوداء عن الوطن مع قيامة ​السيد المسيح​".

وفي كنيسة مارت مورا في ​بلدة القبيات​، احتفل راعي أبرشية طرابلس المارونية المطران يوسف سويف، برتبة سجدة الصليب، وألقى سويف عظة أكد فيها "اننا نؤمن بأن لبنان المعلق على الصليب سيغلب الشر بنعم صليب المسيح، فلبنان الكلمة والفكر وحضارة المحبة وثقافة الحوار والانفتاح والحرية، سيظفر على الظلم الذي قبل أن يأتي من الخارج، ينبع وللأسف من الداخل. ظلم بحق شعب، بحق ​الإنسان​ اللبناني، هذه الشخصية التي زينها الله بالقوة والخلق والإبداع وبقوة الحب والرجاء، فمن أزمة تلو الأخرى ومحنة تلو المحنة وظلم تلو الظلم وكل ذلك من جراء ممارسة خاطئة سيئة لإدارة الشأن العام".

وتوجه الى المسؤولين قائلا: "نسألهم بحق صليب المسيح، ان يكفوا عن ممارسة الظلم بحق شعب يسير درب جلجلة شاقة طويلة، يأمل أن تنتهي فينعم بالخلاص والأمان والإستقرار، بحق صليب المسيح الفادي و​المخلص​، خذوا المبادرة الجريئة الشجاعة، كشجاعة هذا الشعب العظيم واستنبطوا الحلول غير منتظرين الخارج. استخدموا ما أوكلتم عليه بوضوح وشفافية وبحوكمة نظيفة وسليمة تؤمن للبنان بكل مناطقه الإنماء العادل وتصون كرامة كل مواطنة ومواطن. وما نطالب به القيمين على شؤون الوطن وعلينا، نطالب به ذواتنا، كل منا من موقع مسؤوليته".

أضاف: "بحق صليب يسوع، توبوا الى الحب و​العدل​ وأميتوا كل الأهواء وأنواع الطمع والجشع واستباحة خيرات البشر وأتعابهم، وعودوا الى الله رب الكون وسيد التاريخ، فاحص القلوب والكلى والذي يعرف الباطن، وارحموا شعبا كاملا يرزح تحت نير الجوع والفقر والعوز والبؤس، وأشفقوا على أطفال مات المسيح من أجلهم ليخرجهم من كل أنواع ​العبودية​. تطلعوا الى آمال شباب يرغبون ببناء مستقبل لائق بسيط زاهر في وطنهم وعاملوهم كما ترغبون أنتم أن يعامل أبناؤكم".

وتوجه الى المؤمنين قائلا: "بالرغم من واقع الوباء الذي يمنعنا من المشاركة في رعايانا في الإحتفالات بيوم الجمعة العظيمة، دعونا نعيش روحيا وداخليا كل من مكانه رهبة السجود للصليب، وكلنا ثقة أنه سيخلصنا. تعالوا نسجد أمام صليب الجمعة فنتحرر من قيود الخطيئة التي تميت، وأفظعها اللامبالاة، وأشنعها الدوس على كرامة الإنسان، وأبشعها الظلم. دعونا لا نهرب من جراء ضعفنا البشري من صلبان الحياة الموجودة في دربنا، بل فلندرك بإيمان أن الصليب رمز العار والموت يتحول بالقيامة الى رمز الحياة الجديدة".