لم يرتح الإقليم منذ عقد تقريباً، نتيجة إشعال "​الربيع العربي​" ساحات المنطقة. حاول الرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​ أن يستغل ذاك الربيع، معتمداً على الإسلاميين المتشدّدين الذين نكّلوا بشعوب الإقليم، بعدما نظموا صفوفهم في تنظيمات إرهابية عدّة، برز منها "داعش" و "​جبهة النصرة​" وحركات بالجملة توزّعت في كل ساحة مشتعلة ب​الأزمة​.

تبيّن للسوريين عام 2011، أن أردوغان خطّط لضرب بلادهم، عبر جعل ​تركيا​ مساحة ترانزيت يعبرها المتشددون الآتون من كل أصقاع ​العالم​ الى ​سوريا​. لو لم يكن أردوغان جزءاً من الحرب ضد دمشق لكان حيّد أنقره عن أزمة سوريا. يومها أظهر الرئيس التركي انسجامه مع مشروع غربي لطحن ​الدولة السورية​، فترجم كلَّ قرارات الأميركيين والأوروبيين وال​إسرائيل​يين، ولم يهتم لأي طلبات روسية أو ​إيران​ية في تحييد بلاده عن الحرب ضد سوريا.

أتقن أردوغان اللعب يميناً ويساراً: مع الأميركيين وضد الإيرانيين والروس في سوريا، ومع الإيرانيين في خيارات إقليمية. مع الإسرائيليين ضد الإيرانيين، ومع حركة "حماس" ضد الإسرائيليين. يسمح للبواخر الحربية الأميركية بالتوجه نحو البحر الأسود، ويسلّح أوكرانيا بطائرات التجسس، ويؤيد كييف، ويشاكس روسيا في القرم، وفي الوقت ذاته يصنّف بلاده بأنها حليف موسكو. الامر ذاته يتكرر مع الصين التي يناهضها بتبنيه قضية الإيغور، ويعتبر نفسه حليفها في الإندفاعة الدولية. هل تركيا الأردوغانية هي من ضمن التركيبة الفعلية ل​حلف شمال الأطلسي​ الذي تنتمي إليه؟ يريد أردوغان استخدام "​الناتو​" او يتبرأ منه بحسب مصالحه: يتعامل معه بالمفرق. لكن الزمن يتغيّر نتيجة تظهّر الصراعات الدولية.

هل إنتهى اللعب الأردوغاني في الإقليم؟ خسر مشروعه في سوريا، ثم اضطر لعقد تفاهم مع مصر تخلّى فيه عن "​الإخوان المسلمين​"، رغم استمرار العبث الأردوغاني في ساحات عدة، بحسب المصلحة.

كيف يمكن تصديقه؟ هو انقلب على حلفائه الدوليين مرات عدة، كما حصل مع كل من ايران وروسيا والصين والاميركيين والإسرائيليين و"الإخوان" وآخرين: ما المانع ان ينقلب مرات أخرى؟ لا مانع لديه، اذا كانت انقلاباته بدأت خلال اندفاعته داخل تركيا، يوم قفز من مركب فتح الله غولان: هل هو عثماني؟ أم طوراني؟ تارة يُظهر عثمانية هويته، وتارة أخرى يوحي بأنّه طوراني الهوى.

ما فعله اردوغان في سوريا اساء للمصلحة التركية، بصناعته "فيلق إسلامي متشدد جوّال" من سوريا الى ليبيا وما بينهما.

الغرابة أن ايران مثلاً تهادنه، وتحالفه، بينما تعرف ان مشروعه أخطر من أي دولة أخرى. هو جزء من "الناتو" وحليف الأميركيين والإسرائيليين، ويقيم علاقات إقتصادية وسياسية ودبلوماسية مع تل أبيب. فلماذا تتفهّم طهران تصرفاته، بينما هي تهاجم دول ​الخليج​ بسبب تطبيع مع إسرائيل؟ لا تشكّل تلك الدول خطراً على الجمهورية الإسلامية مقارنة بالمخاطر التي يسببها مشروع أردوغان، لكن طهران تتجاهل كل تلك المخاطر التركية. لماذا؟ علماً ان أردوغان هو الذي شكّل خنجراً في الخاصرة السورية، وأجبر الإيرانيين على مدّ حليفهم السوري بالسلاح والمقاتلين لمواجهة متشددين متطرفين سمح لهم الرئيس التركي بالدخول الى سوريا عبر بلاده.

اذا كانت إيران فشلت في إقناع أردوغان بالتخفيف عنها في سوريا لمدة عشر سنوات، فما هي مصلحتها مع الرئيس التركي؟.

يُقال ايضاً أن قائد ​فيلق القدس​ ​اللواء​ الإيراني الراحل ​قاسم سليماني​ كان ساعد أردوغان على إحباط الانقلاب الذي نظّم ضده. مما وجب على الرئيس التركي ان يكون وفيّاً، لكن الحقيقة أن الفراق بين طهران وأنقره كبير ايضا في ​اليمن​ و​اذربيجان​، ومن يضمن أن يحالف اردوغان عواصم الخليج ضد ايران لاحقاً؟.