مَطلب الإنتخابات المُبكرة ليس جديدًا، وهو تصاعد من قبل هيئات "المُجتمع المدني"، بعد الإحتجاجات الشعبيّة التي تفجّرت في 17 تشرين الأوّل 2019، وقد حاولت بعض الأحزاب ومنها "​القوات​" و"​الكتائب​"، الدفع في هذا الإتجاه أيضًا، منذ ذلك الحين حتى اليوم. لكن كلّ هذه المُطالبات فشلت في ​تحقيق​ غاياتها، بسبب رفض "تيّار المُستقبل" و"الحزب التقدّمي الإشتراكي" الإستجابة لدعوة "القوات" بالإستقالة، وبسبب رفض الأغلبيّة النيابيّة الحاليّة حلّ مجلس النوّاب، خاصة وأنّ "​حزب الله​" يعتبر أنّ هذا الأمر يدخل البلاد في فراغ خطير وفي الفوضى المُدمّرة، ناهيك عن إستمرار الخلاف على القانون الإنتخابي. لكن مع تزايد تلميحات "التيّار الوطني الحُرّ" بإمكان تقديم نوّابه إستقالة جَماعيّة من المَجلس، عاد الحديث عن إحتمال حُصول إنتخابات مُبكرة. فهل هذا الإحتمال وارد، وهل يُمكن أصلاً أن يُغيّر شيئًا؟.

من الضروري الإشارة في البداية إلى أنّ ولاية المجلس الحالي تنتهي في 6 أيّار 2022، والتحضيرات على أنواعها تبدأ عادة قبل عام، وذلك بهدف إعداد قوائم الناخبين وإستكمال التحضيرات اللوجستيّة وتعيين هيئة الإشراف على الإنتخابات التي تحتاج إلى ​حكومة​ أصيلة لتعيينها. يُذكر أيضًا، أنّ إعداد قوائم الناخبين وتعديلها وتطعيمها بالناخبين الجدد الذين بلغوا السن القانوني الذي يسمح لهم بالمُشاركة في عمليّات التصويت، يفترض أن يتم في 30 آذار المُقبل، مع العلم أنّه من المُتوقع أن يزيد عدد الناخبين بما لا يقلّ عن 120000 ألف ناخب جديدًا. في كل الأحوال، الإنتخابات يُفترض أن تجري في غُضون الستين يومًا التي تسبق إنتهاء ولاية المجلس، لكن بما أنّ ​شهر رمضان​ سيكون خلال نيسان 2022، فإنّه من المُستبعد أن تجري فيه الإنتخابات. أكثر من ذلك، إنّ تزامن الإنتخابات البلديّة والإختيارية مع ​الإنتخابات النيابية​، يَستوجب تأجيل إحداها! ويُمكن القول بالتالي إنّ على السُلطة المَعنيّة في ​لبنان​ وضع تاريخ واضح للإنتخابات من اليوم، وتحديد خريطة طريق مُتكاملة لإجرائها، حتى لا تحول عقبات مُختلفة دون إتمامها في مواعيدها الدُستوريّة، ناهيك عن المشاكل المادية لجهة تغطية تكاليف العمليّة الإنتخابيّة، والمشاكل الصحيّة والوبائيّة لجهة إجراء الإنتخابات من دون التسبّب بإرتفاع أعداد المُصابين بوباء "​كوفيد 19​".

وإذا كانت الإنتخابات النيابيّة العادية تُواجه صُعوبات كبيرة، فإنّ الإنتخابات النيابيّة المُبكرة تُواجه صُعوبات أكبر، إلى درجة أنّ البعض وصَف ما يتردّد من تهديدات بإحتمال تقديم إستقالات جَماعيّة لفرض إنتخابات مُبكرة بالمُناورات السياسيّة التي تدخل في سياق عمليّات شدّ الحبال المُتبادلة. لكن لا شكّ أنّ قيام نوّاب "التيّار الوطني الحُرّ" بتقديم إستقالة جَماعيّة من المجلس، والذي يُعتقد أنّه سيليه إستقالة مُماثلة لنوّاب حزب "القوات"–ولوّ لأهداف ولغايات مُغايرة تمامًا، سيُشكّل ضربة قاسية لميثاقيّة ​المجلس النيابي​ ولتوازنه الطائفي. إشارة أيضًا إلى أنّ المقاعد العشرة الشاغرة في المجلس حاليًا، إن بسبب الإستقالة أو بسبب الوفاة، تعود بأغلبيّتها الساحقة لنوّاب مسيحيّين. وبالتالي إنّ لُجوء "التيّار" لورقة الإستقالة من شأنه إعادة خلط الأوراق على كلّ الصُعد، ولوّ من خلال الرقص على حافة الهاوية–إذا جاز التعبير!.

وفي حين أنّ "​الثنائي الشيعي​" لا يريد إجراء أيّ إنتخابات مُبكرة، ولا يزال يأمل بتغيير ​قانون الإنتخابات​ قبل حُلول موعدها العام المُقبل، فإنّ هدف "القوات" مثلاً من الدعوة إلى إجرائها، هو إعادة إنتاج سُلطة جديدة بالكامل، بعد إستقالة الجميع من رئيس الجُمهوريّة نزولاً، مع أملها بأن تكون "القوّات" قد تقدّمت على "التيّار" شعبيًا. في المُقابل، إنّ هدف "التيّار الوطني الحُر" من خيار الإنتخابات المُبكرة-في حال الإنتقال من مرحلة المُناورة بهذا الطرح إلى تبنّيه وتنفيذه ميدانيًا، هو تأكيد ثبات موقعه الشعبي من جهة، وتغيير تركيبة المجلس النيابي، وإعادة ​تكليف​ شخصيّة جديدة ل​رئاسة​ الحُكومة وفق هذه التوازنات من جهة ثانية، وطبعًا مع بقاء رئيس البلاد العماد ​ميشال عون​ حتى آخر يوم من عهده. أمّا باقي الأطراف، وخُصوصًا "تيّار المُستقبل" و"تيّار ​المردة​" و"​الحزب التقدمي الإشتراكي​" و"​حركة أمل​"، فإنّهم يطمحون لإعادة تركيب السُلطة السياسيّة من جديد، لكن على أن يكون لهم جميعًا الرأي الحاسم في تركيبتها، وهم يأملون أن يكون "التيّار الوطني الحُر" بموقع أضعف بكثير ضُمن هذه التركيبة. ولا يُمانع "المُستقبل" الذي قال إنّه جاهز لأيّ إنتخابات، وكذلك "الإشتراكي"، بتغيير قانون الإنتخابات، إذا كان البديل يُعزّز إحتمالات فوزهما بمزيد من المقاعد، علمًا أنّهما يُنسّقان بشكل كبير مع رئيس مجلس النوّاب ​نبيه بري​، شأنهما شأن "تيّار المردة"، على مُستوى الكثير من الخُطوات السياسيّة الحاليّة، وهم يطمحون أيضًا للتنسيق مُستقبلاً على خطّ الإنتخابات النيابية وقانونها وموعدها، وخُصوصًا على خطّ الإنتخابات الرئاسيّة المُقبلة ومرشّحها. حتى أنّ هيئات وجمعيّات ما يُسمّى "المُجتمع المدني" ترغب بالدخول بأكبر عدد مُمكن من النوّاب إلى السُلطة التشريعيّة على حساب قوى السُلطة والأحزاب التقليديّة، علمًا أنّ المعركة الإنتخابيّة ليست سهلة على الإطلاق على القوى غير المُنظّمة، لأنّه يُوجد في لبنان ما لا يقلّ عن 7 آلاف قلم إقتراع، ما يستوجب وجود 22 ألف مندوب بالحد الأدنى.

في الختام، المُهم ألاّ تبقى حال المُراوحة كما هي اليوم، لأنّ التدمير الذاتي بلغ ذروته، والإنهيار الكامل بات على بُعد أسابيع قليلة. وبالتالي، المَطلوب التقدم سريعًا إما نحو تشكيلة حُكومة جديدة، تُحاول إنقاذ ما يُمكن إنقاذه، أو لا يعود عندها من مجال سوى اللجوء إلى خيار الإنتخابات النيابيّة المُبكرة.