لم يعد يستطيع أي فريق سياسي تحمّل تبعات الجمود الحكومي. حاولوا انعاش ​تصريف الأعمال​ ريثما يتظهّر المشهد السياسي، لكن المحاولة سقطت بسبب عجز القيّمين على ​الحكومة​ عن اتخاذ أي قرار. لا يتعلق الأمر بأن رئيس حكومة تصريف الاعمال ​حسان دياب​ يرفض التصريف للدفع بإتجاه تأليف حكومة جديدة، ولا لأن دياب يراعي حسابات سنّية بيروتية في إطار استكمال مسيرته السياسية تحت عباءة الطائفة، بل لأن دياب ووزراءه عاجزون عن تحمل المسؤولية، وهم يفتقدون للهيبة والقدرة: المرحلة أكبر منهم. هذا دليل ثابت على عدم استطاعة أي ​حكومة تكنوقراط​ تولي ​السلطة​ في بلد كلبنان، في ظل ازمات مفتوحة تحتاج لرجال دولة ووزراء وطنيين اشدّاء قادرين على اتخاذ قرارات.

اقتنعت كل القوى السياسية بعدم جدوى بقاء تصريف الاعمال على شكله العاجز حالياً: فكيف ومتى الحل؟

تؤكد المعلومات السياسية ان المساعي تتواصل ترجمة لروحية مبادرة رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​، خصوصا ان الأمين العام ل​حزب الله​ ​السيد حسن نصرالله​ اعاد في مضمون كلمته تجديد الثقة بها.

تقول المعلومات ذاتها ان الحزب المذكور حاول طرح افكار جديدة بشأن عملية ​تأليف الحكومة​ لبلورة مخرج لم يتضح بعد، لكن الأفكار التي تدور حول كيفية اختيار الوزيرين المسيحيين - موضع الخلاف، ترتكز الى جوهر مبادرة رئيس المجلس: فهل يقبل بها رئيس التيار "الوطني الحر" النائب ​جبران باسيل​؟ لم يصل ​النقاش​ بين موفدي الحزب وباسيل الذي سبق اطلالة نصرالله الى إتفاق واضح، بحيث لا يزال رئيس التيار البرتقالي يتحدث عن عدم حق رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​ بتسمية وزيرين مسيحيين، اضافة الى تمسك باسيل بطرحه عدم اعطاء الثقة للحكومة. وهنا ايضا جرى طرح افكار بشأن فكفكة بلوك عدم الثقة، لكن الحريري يشترط التزام تكتل لبنان القوي بكل تلاوينه اعطاء الثقة للحكومة العتيدة.

الأهم ان التواصل لم ينقطع، علما ان هناك ترقبا برتقاليا بشأن خطوة محتملة للحريري بالإعتذار عن التأليف. يوجد من اقنع قيادة "الوطني الحر" ان رئيس الحكومة المكلّف لن يتحمل مزيدا من الانتظار وهو كان استعد لتقديم الاعتذار، لكنه احجم عن الخطوة مرتين: اولا، عندما طلب منه الروس اثناء زيارته الى ​موسكو​ عدم تقديم اعتذاره، وثانياً، حين لمس سعي بري لإزالة المطبّات من امام عملية التأليف. لكن هل يستمر انتظار "الشيخ سعد" لما بعد شهر اب، في حال بقي تعطيل التأليف؟ كأننا بمرحلة شد اصابع في آخر مراحلها، وسط كلام عن طرح تولي احد رؤساء الحكومات السابقين مهمة تأليف الحكومة بعد اب، اثر اعتذار الحريري و​تكليف​ غيره: يبرز اسم ​نجيب ميقاتي​ لتولي حكومة انتخابات. لكن اسم الحكومة لا ينطبق على طبيعة المرحلة الحالية، عدا عن ان الحكومة هي ​مجلس وزراء​ مكتمل المواصفات، ولا يوجد موانع دستورية لممارسة تلك الحكومة كل السلطات المتاحة لها بموجب ​الدستور​. فإذا لم يستطع السياسيون، كما الآن، من الوصول الى اتفاق، سيستمر وجود وعمل تلك الحكومة العتيدة المُشار اليها، الى زمن الرئيس الجديد. هي التي ستقود البلد في حال حصل فراغ في ​رئاسة الجمهورية​ اثر انتهاء ولاية ​الرئيس ميشال عون​ بعد سنة ونصف ​السنة​. مما يُفسر الكباش بشأن حكومة ستتولى اخطر واهم الادوار في عمر لبنان: اصلاح، تفاوض مع ​صندوق النقد الدولي​، الاشراف على ملف الحدود وتوابعه بشأن حقول ​الغاز​، ​التعيينات​، عملية الانقاذ الاقتصادي.

فهل يجري تفكيك الالغام المتبقية في مسار عملية التأليف؟ كلمة الأمين العام لحزب الله تفتح كل ابواب الاحتمالات.