لم تكن الأحداث التي شهدتها بلدة مغدوشة، في عطلة نهاية الاسبوع الماضي، إلا نموذجاً عما يمكن أن تذهب إليه أزمة الطوابير أمام ​محطات المحروقات​ في أيّ لحظة، خصوصاً أن معظمها بات تحت سيطرة مجموعات من الزعران، تسعى إلى الإستفادة من الواقع الراهن إلى أقصى حد ممكن.

إنطلاقاً من ذلك، يمكن لمن يريد أن يرصد ما يحصل على أرض الواقع أن يقوم بجولة صغيرة على عدد من المحطّات، أو أن يقرر الانضمام إلى صفوف المنتظرين الطامحين إلى تعبئة خزانات سياراتهم ب​البنزين​، حيث سيكون عليه الإنتظار ساعات طويلة لأن "الطابور" لا يسير بالشكل المطلوب، على إعتبار أن هناك خطوطاً أخرى مفتوحة لمن يملك "القوّة" أو "النفوذ"، في مقابل مجموعات تسعى إلى ملء الغالونات لبيعها في السوق السوداء.

هذا الواقع، دفع بالعديد من أصحاب المهن إلى الإنتقال إلى السوق السوداء، نظراً إلى أنها تجارة مربحة إلى حدّ كبير، حيث أن سعر صفيحة البنزين (20 ليتراً) هو اليوم بحدود 128 ألف ليرة لبنانية، بينما سعر الغالون (9 ليترات) هو بالحد الأدنى ما بين 250 و300 ألف ليرة لبنانية، ما يعني أنّ الصفيحة الواحدة قادرة على تأمين ربح صاف يبلغ نحو 450 ألف ليرة لبنانية.

لتجاوز هذه المشكلة، قرّرت بعض البلديّات أن تدخل على الخطّ عبر توزيع "بونات" مسبقة على المقيمين فيها، الأمر الذي أثار، في بعض الأحيان، خلافات مع أبناء البلدات المجاورة لا سيما تلك التي لا تتواجد فيها محطّات خاصة بها أو هي في الأصل مقفلة، إلا أن هذا "الحل"، نجح في أحيان أخرى بالحدّ من الازدحام على المحطات، بالإضافة إلى حصر مسألة إستغلال ظاهرتي التخزين والسوق السوداء.

في هذا السياق، كانت بلدة ​شارون​ من المبادرين إلى هذه الخطوة، حيث يؤكد رئيس بلديتها مهنّا البنا، في حديث لـ"النشرة"، أن الإيجابيات كبيرة جداً، بالرغم من أن القرار جاء بعد دراسة للخطوات التي قامت بها بلديات أخرى لتفادي السلبيّات، ويشير إلى أنّ الهدف هو أنْ تحصل كل سيارة (صاحبها من المقيمين في البلدة) على صفيحة بنزين في الاسبوع.

ويلفت مهنا إلى أن البلدية ليست سعيدة بالدخول إلى هذا المجال إلا أنها اضطرت إلى ذلك، لتفادي حصول أية اشكالات في البلدة كما يحصل في أماكن أخرى، ويوضح أن أصحاب "البونات" لديهم وقتا محددا للتزود بالبنزين، أما من يريد الحصول على كميّات اضافية أو هو من غير المقيمين يستطيع الحصول على المادّة في الأوقات الأخرى، لأنّ شارون ليست مقفلة أمام الآخرين، ويضيف: "المتحكرون هم المتضررون من التنظيم، لأنّ تأمين حاجة المضطر يلغي دور السوق السوداء".

هذا الحلّ قد ينجح في القرى الصغرى، إلا أنه لا يمكن تطبيقه في المدن أو على المحطات التي هي على الطرقات العامة، كمثل تلك القائمة بين منطقتي ​الدامور​ و​الجية​، على سبيل المثال، حيث تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن تلك المحطات باتت تشكل أزمة لكل المارين في المنطقة، نظراً إلى الإزدحام الذي تسببه طوال ساعات النهار، الأمر الذي يدفع بالسائقين المتوجهين من الجنوب نحو بيروت، في ساعات الصباح، إلى الإنتقال للإتجاه الآخر، والعكس يحصل في ساعات المساء بالنسبة إلى العائدين من بيروت نحو الجنوب، مع ما يعنيه ذلك من خطر حصول حوادث سير، وتضيف: "في الأصل تلك المحطات، رغم تواجد الأجهزة الأمنيّة عليها، باتت خارجة عن السيطرة بشكل شبه تام، لا سيما بالنسبة إلى ظاهرتي تعبئة الغالونات وعدم الإلتزام بصفّ الإنتظار المحدّد".

أساس هذه المشكلة، بحسب ما تؤكد مصادر مطلعة لـ"النشرة"، يكمن بأنّ كل الإجراءات التي تقوم بها السلطات المعنيّة لم تذهب إلى معالجة مشاكل أساسيّة بات الجميع يدرك تفاصيلها: الأولى هي ​التهريب​ إلى خارج الحدود، بسبب الفارق الكبير في الأسعار بين لبنان وسوريا، الثانية هي التخزين، الذي لا يقتصر على كبار المحتكرين بل يشمل أيضاً مواطنين عاديين لعلمهم المسبق أنّ الأسعار ستتضاعف في المرحلة المقبلة نتيجة ​رفع الدعم​، أما الثالثة فهي السوق السوداء التي باتت وظيفة جديدة بالنسبة إلى فئات واسعة من اللبنانيين وغيرهم.

على الرغم من ذلك، تشدّد هذه المصادر على أنّ الحل لم يكن مستحيلاً، حيث كان ممكنا أن يتم، منذ البداية، من خلال إجراءات تنظيمية تبدأ من آلية الدعم، عبر تخصيص عدد من الصفائح لكل سيارة، على سبيل المثال، بدل من الدعم المفتوح، سواء كان ذلك عن طريق "بونات" ورقية أو من خلال تطبيق يتولّى ارسال رسائل نصيّة إلى المواطنين بموعد توجههم إلى محطة معينة، بينما من يريد الحصول على كميات إضافية يحصل عليها بموجب سعر غير مدعوم، وتضيف: "على ما يبدو لم يكن هناك رغبة في تنظيم هذا الأمر، لوجود من هو مستفيد مما يحصل".

في المحصّلة، حتى الإنتهاء من آلية الدعم المعتمدة، والّذي من المفترض أن يحصل في نهاية أيلول المقبل، نتيجة عدم القدرة المالية على الإستمرار بها، فإن طوابير محطات المحروقات ستبقى قنابل موقوتة، من الممكن أن تشعل البلد في أيّ لحظة، بينما أجهزة الدولة، التي فشلت في إيجاد الحلول المناسبة، تتفرّج على ما يحصل.