تبيّن بما لا يقبل الشك، وللاسف، ان كل الكلام الذي صدر عن "الاشقاء" العرب بالنسبة الى "شقيقهم" ​لبنان​، هو مجرد كلام بكلام، ولم يعد هناك من ادنى شك بأن العرب، كل العرب، يقفون على الاشارة الدولية في ما خص القرارات المتعلقة بالمنطقة وخصوصاً بالنسبة الى لبنان. لم ينفع الكلام المعسول، ولا حتى التهديد والوعيد والمقاطعة، في اقناع احد ان القرارات العربيّة تتخذ باستقلاليّة وترتبط بالمصالح المشتركة او بالاتفاقيات ونصوص ​جامعة الدول العربية​ وغيرها من المنظمات التي تجمع العرب بالشكل فقط من دون اي اساس للمضمون. هذا الكلام يأتي بعد الحديث عن عودة الحياة الى استجرار الطاقة الكهربائيّة والغاز من ​مصر​ و​الاردن​ عبر ​سوريا​، وقبله الاتفاق النفطي مع ​العراق​.

سيكون من غير اللائق طبعاً عدم الاعتراف بالاهمية التي تكتسبها مساعدات الدول العربية والدولية للبنان وشعبه، وهو امر تشكر عليه هذه الدول بطبيعة الحال، ولكن المشكلة الاساسية تبقى في توقيت اتخاذ قرارات المساعدة وسرعة تطبيقها.

غريب كيف دبّت "النخوة" العربية فجأة تحت ستار "مساعدة اللبنانيين" لاقامة مشروع استجرار الطاقة الى لبنان وعبر سوريا تحديداً. غريب كيف اصطلحت الامور بعد تحرك السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا (ومن خلفها طبعاً ​الادارة الاميركية​) للاعلان عن هذا الموضوع واستثناء سوريا من "​قانون قيصر​" في ما خص هذا الملف تحديداً و"كرمى لعيون اللبنانيين". قد يقول البعض ان هذا الامر اتى بسبب الضمانات التي حصل عليها العرب المعنيون لتفادي العقوبات عليهم، ولكن الم يكن ممكنًا لهؤلاء تحديداً، ونظراً الى الصلات المتينة التي تربطهم بواشنطن، الاستناد الى سابقة استثناء العراق من هذا القانون وعقوباته للتقدّم باقتراح اعفاء مماثل لاستفادة اللبنانيين من مسألة الطاقة ووضع حد لمعاناتهم وتعزيز عوامل ​مكافحة الفساد​ والهدر والشفافية في التعاطي التي تطلبها كل دول العالم لعدم ثقتها بالمسؤولين اللبنانيين؟.

لماذا تم الانتظار كل هذا الوقت، حتى الوصول الى اذلال اللبنانيين واعلان ​حزب الله​ استعانته بالنفط الايراني لرفد السوق اللبناني بكميات تساعد على التخفيف من الازمة من دون ايجاد حلّ لها؟ يبدو واضحاً من كل ذلك، ان العرب يقفون جميعاً على الاشارة الدوليّة لاتخاذ قراراتهم بالنسبة الى لبنان، وهنا يمكن فهم ايضاً قرارات مقاطعة البلد وعدم مساعدته، تماماً كما بات مفهوماً بشكل جليّ قرار المساعدة والتحرك بفاعلية للحد من عذاب اللبنانيين وآلامهم. ولمن يعتقد ان في الامر "عنصريّة" لبنانية ضدّ العرب، نطمئنه ان المسؤولين اللبنانيين لطالما اعلنوا انهم ينتمون الى العالم العربي، وهم لم يخطئوا في هذا المجال، وبالتالي ما يصحّ على العرب يصحّ عليهم وتحديداً في موضوع اتخاذ القرارات، وهذا ما دأبنا على قوله اكثر من مرة في الكثير من المقالات السابقة. الهوى الدولي يصبّ حالياً في خانة دعم اللبنانيين قدر الامكان وبالحدّ الادنى، كي لا تصل الامور الى حدّ الفوضى، وفي ذلك مصلحة دوليّة معروفة الاسباب، وهي الذّريعة الاولى التي تجعل من الجيش اللبناني المؤسسة المفضلة للتعامل معها حين تضطرب الامور مع المسؤولين السياسيين، وحالياً فإنّ تقوية الجيش تقع في خانة الخطّة الدوليّة "ب"، وهي الّتي يتم التعويل عليها لتفادي الاستمرار في حفر الهاوية التي وصل لبنان الى قعرها وبدأ يخترقها لمسافات أبعد وأبعد. وحتى ذلك الحين، ستبقى العلاقة التي تربط لبنان بالعالم العربي تعتمد على الاشارة الدوليّة والاضواء التي ستُضاء وفقها وستعمل الدول وفق الاضواء: الحمراء او الخضراء او البرتقالية (المراوحة) الى أنْ تستقر الصورة الشاملة للمنطقة ودولها.