هُنا على الضِفَّة الشرقيَّة للمتوَّسِطِ، حَصَل صِراعٌ كبير. ما كانَ لبنانُ مُسبِّبَهُ بل المُستَهدَف فيه.

هو القائِل في بَدءٍ مع بيبلوس، عاصِمَته الروحيَّة، وكاهِنِها طور الجُبيلي المُثَلَّث العَظَمَة، أنَّ الموتَ ليسَ نهايةً بل عُبوراً الى حياةِ الخُلودِ.

هو المُبتَكِرُ، في بيبلوس، الحرفَ، لُغَةَ تَخاطُبٍ كَونيٍّ يَرفَع التَعبيرَ البَشريَّ الى قِمَّةِ التجريدِ العقليِّ، كان أوَّل مَن إستَشرَفَ أنَّ العقلَ ليسَ للوجودِ مُنغَلَقاً بل مُنطَلَقاًلِفَهمِ سِرِّه إن تآلفَ والإيمان. وذروةُ هذا التآلُف تَخَطّي الزمان بتسيّيرِهِ بإنتظامٍ بَشَريٍّ مُتَلازِمٍ مع الإنتظامِ الإلهيِّ المُبتَكَرِ من العَدَم، في تعاقُبِهِ ودَوَرانِهِ، كما ثَبَاته ولامَحدوديَّتِهِ. لذلك كانت صَرخةُطورأن لا القمَرُ ولا الشَمسُ ولا المَجَرَّات ولا الكائِنات بآلِهّةٍ... بل هناك إلَهٌ واحدٌ.

على مَذبَح هذا الكُنه–وما أتى بِهِ لبنان لِذاتِهِ بَل للبشريَّة–، كانَ لبنانُ الشهيدَ الأوَّل.

أَلَم نَقُل صِراعاً؟ بَينَ مَن وَمَن؟.

بَينَ اولَئِكَ الذينَ ما أرادوا البَشَريَّة إلّامُتَعَثِرَةً على مُنعَرَجاتٍ لا تُدرِكُ فيها إلّا نِسبيَّتها لِتَبقى سَجينَةَ نسبيَّاتِها، حتى باتَ لَها كُلُّ شيءٍ نِسبيَّاًإلّا النِسبيُّ صارَ لَهَا مُطلَقاً.ومن أجلِهِ يستنزلون كُلَّ شيءٍ ويُبيدونَهُ كَمَن يَطحَنُ حَبَّة رَملٍ... ولُبنان، الذي بالمُقابِلِكان أوَّل مَن عَلَّمَ مع موخوس الصوري، أنَّ أصغَر مِن حَبَّةِ الرَملِ تَختَزِنُ أسرارَ الوجودِ.

هُم الأغريق، وقد أحكَموا سَيطَرَتَهُم على أفعالِ العَقل لتبقى مَحصورةً بين أساطيرِ نَقضِ الإيمانِ وتَسطير الإنفِعالاتِ.

هُم الرومان سابري أغوارِ الإنفِعالاتِ حَدَّ السَيطرةِ على العالَمِ بإطاحَة العَقل وتَقديس القوَّة.

هُم رافدو الوجودِ بالعَبَثِ يُراكِمونَهُ حُطاماً،لِيُقيمونَهُ غَياهِبَ للعقلِ وطلاسِمَ لأيِّ إيمان.

تَتَبَدَّل الأسماءُ وتَتَوالدُ الدُهور، ويَبقون هُم هُم: بإسمِ الإنسان يُلغونَ الله، وما أدرَكوا أنَّهم ما كانوا يُلغون تالياًإلاَّ الانسان... فيما الله يَهزأ بِهِم!.

وَحدَهُ لبنان ظَلَّ لَهُم بالمِرصادِ في رَفدِ المُستحيلاتِ بِجَلالِ ما عَلَّمَ.

مُكابَدَة المُستحيلات

لم يَكُن لبنان وجوداً مِن لا شيء، بل وجوداً يَصفو بِمُكابَدَةِ المُستحيلاتِ، ليقولَللإنسانِ أنَّ ريادَةَ العَقل ليست للظِلال بِل للحقيقة، والجَهل مُكابَرَةٌتتآلفُ مع الشَرِّ، فَيَصيرا واحداً في إسقاطِ الكَيان البَشَريِّالى هُوَّةِ "الكيف"، بعدما ابادا معا "اللماذا".

عِلّةُ الموت: تَلاقي العَقل والإيمانِ مَعاً في "الكَيف".

مَصدَرُ الحياة: إنعتاقُ العَقلِ والإيمانِ مَعاً في "اللماذا".

كيفَ إنوَجَدَ الوجودُ؟ هنا عَلِقَ مَن ذَكَرناهُم بينَ الغُرور ووجوبِ التَمَرُّد.

لماذا لا يَتَجَوهَرُ الوجودُ؟ جوابُ لبنان: ألا فَليَتَجَوهَر... بالأيمانِ حيثُ يَعقِلُ العَقلُ وجوبَ الخير.

أولَئِكَ في العَنَاء يَتَشَتَتونَ في البَغضاءِ والتآمُرِ والأطماعِ.

وهو في الضمير يَتَعَملَقُبإلحاحيَّةٍ تَجذُبُ مَبادىءَ المَنطِقِ ونَواميسَ الأكوانِ، لا يُبَدِّلُها أحَدٌ ولو إجتَمَعَت قوى البشريَّة وسَطوَة تَفَرُّدِ العَقل وجُنوحِه.

قُلنا صِراعاً؟.

لَكَ الحُريَّةُ أن تَقِفَ فيه، بِوجودِكَ الضَميريِّ، مَع لبنان، وقد صادَقَت على ما أتى بِهِ المَسيحيَّةُ فالإسلام، وأكادُ اقولُ اليَهوديَّة الحَقَّة، أو مَع أولِئِكَ المُتَبَدِّلَةِأسماؤهُم في وجودِهِم الماديِّ، وما إثمَرَإلَّا صِراعاً وفُقدانَ تَوازُنٍ بَين الإنسان ونَفسِهِ، وبَينَهُ وبَينَ الآخَرِ والخَليقةَ، وأكادُ أقولُإنفِصاماً.

هُنا على الضِفَّة الشرقيَّة للمتوَّسِطِ، كانَتِ الخَطيئةُ الأصليَّة. تِلكَ التي خَرَّبَت كلَّ الجَدوى مِن البشريَّة...الجَدوى التي كانت هِبَةُ لبنان للبَشريَّة: دَيمومَتَها.