منذ اكثر من سنة، تطفو قضية حاكم ​مصرف لبنان​ ​رياض سلامة​ الى الواجهة، قبل ان تغرق من جديد، ولم ينفع ان يكون القضاء قد تدخل في المسألة لان الامور زادت تعقيداً، وبقي البت بالموضوع بعيداً، فيما خلت الساحة لاتهام سلامة بشكل علني من قبل مسؤولين وفي مقدّمهم رئيس الجمهورية، ودفاع الحاكم عن نفسه ووقوف اطراف الى جانبه وفي مقدمهم ​تيار المستقبل​.

حدّة المواجهة بلغت اوجها مع توجّه قوّة من جهاز امن الدولة الى منزل سلامة لاصطحابه وفق مذكرة صدرت عن القضاية ​غادة عون​، لكن ما حصل هو عدم تحقّق هذا السيناريو، وسط تأكيد القاضية عون تصدّي عناصر الامن الداخلي لعناصر امن الدولة، ونفي وزير الداخلية وقيادة الامن الداخلي حصول مواجهة بين الجهازين الامنيين المذكورين، ما ادى الى ادّعاء القاضية على مدير عام قوى الامن الداخلي ​اللواء عماد عثمان​. وبين هذا وذاك، بقي سلامة في مكانه يمارس حياته العادية، فيما كثر الكلام عن ان وقته قد حان وان بقاءه في منصبه كحاكم مصرف لبنان بات معدوداً.

مصادر متابعة للملفّ استبعدت هذا الكلام، وقالت ان وقت سلامة لم يحن بعد، ومن يعتقد ان المسألة داخليّة فعليه ان يعيد حساباته والامر اكبر من قرار داخلي. وسلّمت المصادر نفسها بأنّ ما يحصل له دلالاته، وقد يؤشر الى انّ سلامة لم يعد من الخطوط الحمر، ولكنها استطردت بأنّ ذلك لا يعني انه سيتم القاء القبض عليه او خضوعه لمحاكمة، لان المسألة اكثر تعقيداً من ذلك، وترتبط بحسابات خارجية ومحادثات اميركية-فرنسية واوروبية، فسقوط سلامة سيعني حكماً سقوط العديد من الرموز السياسية. وتتابع المصادر ان المرحلة الحاليّة ليست مرحلة "تصفية حسابات" بهذا الحجم، الا اذا اراد الخارج "تصفية" الانتخابات النّيابية المزمع اجراؤها في ايار المقبل، وهو امر لم يلمسه احد بعد، وزاده تعقيداً الادعاء على اللواء عثمان، لانّ الجميع يعلم ان القيادات الامنية تتبع لطوائف ولحسابات سياسية لا يمكن التعامل معها بسهولة. وتذهب المصادر الى القول بأنّه عندما يحين وقت اسقاط سلامة، فعندها لكل حادث حديث، مرجّحة انه حتى بعد صدور مثل هذا القرار، من المستبعد خضوع حاكم مصرف لبنان للمحاكمة، اذ قد يغادر لبنان ليستقر في بلد آخر وتنتهي الامور عند هذا الحدّ، وتطوى صفحته على غرار صفحات اخرى تم نسيانها حملت وثائق وادلّة دامغة، في حين انّ ما تحمله قضيّته حالياً تبقى في اطار الشبهات والاتهامات.

وتضيف المصادر ان مصير سلامة بات مرتبطاً بالانتخابات، وعلى اي حال، فإن بقاءه في منصبه حتى النهاية لم يعد ثابتاً في المرحلة المقبلة، وانه قد يتغيّر بعد ​الانتخابات النيابية​ والرئاسيّة، كونه يعطي دفعاً وصورة جديدة للواقع الاقتصادي والمالي الذي يهندسه الخارج في انتظار ايجاد التوليفة الناجعة له داخلياً، كما يوحي عندها تغييره بأنّ المسألة سلسة ولا استهداف للحاكم، بل هناك تغييرات ستجرى في الوضع السياسي كما في الهندسة الماليّة للدولة. وبالتالي، اذا لم يكمل سلامة ولايته من خلال هذه المقاربة (تمتد الولاية حتى عام 2023 بعد ان تم التمديد له عام 2017)، فلا احراج له ولا للقضاء ولا للسياسيين والمسؤولين، ويكون رئيس الجمهورية قد اصبح خارج قصر بعبدا، اما بحكم انتهاء الولاية او بحكم وصول رئيس جديد.

قد نشهد خلال الفترة المتبقية من اليوم وحتى موعد اجراء الانتخابات، الكثير من "شدّ الحبال" قضائياً وسياسياً في قضية حاكم المصرف المركزي، ولكن بما اننا في لبنان، فمن المتوقع ان تطغى قضية مهمة كل يوم تنسينا هذه القضية او اي قضية اخرى، الى ان يتم ايجاد الحلول اللازمة، ودائماً وفق الطريقة اللبنانية (لا غالب ولا مغلوب) فتأخذ القصّة مسارها الى دهاليز النسيان، من دون معاناة ولا صراعات، ولا خطر في تغيير الستاتيكو السياسي اللبناني.