قبل ما يقارب الشهر ونصف الشهر على موعد الإنتخابات النيابية، المقررة في الخامس عشر من أيار المقبل، يبدو أن مختلف القوى السياسية بدأت التركيز على المرحلة التي تلي، خصوصاً أن نتيجة هذا الإستحقاق، على مستوى التوازنات الكبرى، باتت شبه محسومة، الأمر الذي يفتح الباب أمام طرح مجموعة من السيناريوهات حول ما ينتظر لبنان واللبنانيين في تلك المرحلة.

من حيث المبدأ، كانت العديد من الجهات الغربية تراهن على هذه الإنتخابات لاحداث تغيير في الأكثرية النيابية، الأمر الذي يبرر حماستها على دعم مجموعات المجتمع المدني طوال الفترة الماضية، لكن هذه الحماسة تراجعت مؤخراً بسبب الخلل الذي طرأ على دور الأخيرة، خصوصاً لناحية كيفية خوضها الإستحقاق ضمن لوائح متعددة، الأمر الذي سيحول دون قدرتها على تحقيق خرق كبير.

في هذا السياق، تلفت مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن التركيز انطلق على نسبة الإقتراع، التي من المتوقع أن تكون متدنّية في العديد من الدوائر، لا سيما تلك التي تقع في مناطق الأطراف بسبب كلفة النقل الّتي سيتكبدها الناخبون، نظراً إلى أن هذه النسبة ستكون بمثابة المؤشّر على التأييد الشعبي الذي لا تزال تحظى به القوى التقليديّة، الأمر الذي يدفع معظمها للسعي إلى رفعها لأقصى حد ممكن، حتى ولو لم تكن تواجه معركة حقيقية.

وتشير هذه المصادر إلى أنه بعد هذه الإنتخابات من المفترض انطلاق مرحلة جديدة في البلاد، عنوانها الأساسي إعادة ترتيب الأوضاع بناء على النتائج التي ستفرزها صناديق الإقتراع، الأمر الذي كان قد دفع إلى تأجيل مختلف الملفات الأساسية إلى ما بعد 15 أيار المقبل، كملف ترسيم الحدود أو الإتفاق الفعلي مع صندوق النقد الدولي على سبيل المثال، لا سيما أن هذه المرحلة من المفترض أن تترافق مع تحولات كبرى على المستوى الإقليمي، خصوصاً بالنسبة إلى الإتفاق النووي بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية في إيران.

في هذا الإطار، تلفت المصادر نفسها إلى مجموعة من المعطيات التي تؤكد على أهمية المرحلة التي ستلي الإنتخابات، من العودة الخليجيّة إلى الساحة اللبنانية وصولاً إلى زيارة البابا فرنسيس في شهر حزيران المقبل، من دون تجاهل التحول الذي لم تتضح معالمه بعد على الساحة اليمنية، بالإضافة إلى الإتفاقات التي تحصل بين بعض الدول العربية مع إسرائيل، بالتزامن مع الإنفتاح العربي الحاصل على الحكومة السورية، الذي تمثل بالزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى الإمارات العربية المتحدة في الفترة الماضية.

من وجهة نظر المصادر السياسية المطلعة، هناك أفرقاء دوليين أساسيين سيلعبون الدور الأبرز في إعادة ترتيب الأوضاع الداخلية، أبرزهم ستكون فرنسا التي تحتفظ بعلاقات مميزة مع الرياض وطهران، من دون تجاهل قنواتها المفتوحة بشكل مباشر مع "حزب الله"، بالإضافة إلى الفاتيكان، نظراً إلى أن زيارة البابا، الذي يعطي أهمية بالغة إلى الملف اللبناني، لا يمكن أن تكون عابرة في ظل الأزمة التي تمر بها البلاد، لا بل هي قد تكون المؤشر الأبرز على وجود مرحلة جديدة من المفترض أن تبدأ.

في ظل المعطيات الراهنة، تؤكد هذه المصادر أن المرحلة التي يتم الحديث عنها ستكون إيجابية، لا سيما بظل وجود شبه إجماع على أن باريس ستنجح في ترتيب مؤتمر دولي يبحث الملف اللبناني بشكل جديد، من دون معارضة أي من الأفرقاء المؤثرين، الأمر الذي يتأكد مع الإعلان عن الإتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي، أول من أمس، الذي لم يكن ليحصل من دون موافقة الولايات المتحدة، مع إشارتها إلى أنه لن يكون أكبر من إتفاق الطائف ولا أقل من إتفاق الدوحة، وتذكر بالمواقف التي يطلقها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في الفترة الراهنة، خصوصاً تلك التي أطلقها خلال زيارته إلى مصر.

في المحصلة، تجزم المصادر نفسها بأن المشهد السياسي، الذي سيلي الإنتخابات النيابية، بات شبه واضحاً عند معظم الأفرقاء الأساسيين، سواء كانوا محليين أو خارجيين، لكنها لا تستبعد حصول أي تطورات دراماتيكية في الفترة الفاصلة، خصوصاً إذا ما شعرت أي جهة قادرة على احداثها بأن المعادلة المقبلة لن تكون لصالحها على نحو كبير.