منذ العام 2005، كان العنوان الأساسي في جميع المعارك الإنتخابية هو الأكثرية النيابية على الساحة المسيحيّة، في ظل التنافس الكبير على اللقب بين كل من "​التيار الوطني الحر​" وحزب "​القوات اللبنانية​"، الأمر الذي يتكرر في المعركة المقررة في الخامس عشر من أيار المقبل، لكن مع فارق أساسي يكمن بأن هناك ساحة مواجهة تبدو أكثر أهمية، حيث الصراع يحتدم على الساحة السنية حول هوية صاحب الأكثرية النيابية.

على الرغم من قرار أبرز قيادات الطائفة العزوف عن المشاركة في هذا الإستحقاق، أي كل من رئيس الحكومة ​نجيب ميقاتي​ ورئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، إلا أن ذلك لا يلغي أهمية المنافسة القائمة بين 3 أفرقاء أساسيين: تيار "المستقبل"، رئيس الحكومة السابق ​فؤاد السنيورة،​ القوى والشخصيات التي تدور في فلك قوى الثامن من آذار، نظراً إلى التداعيات الكبيرة التي من المفترض أن تترتب على النتائج التي ستفرزها صناديق الإقتراع.

في الصورة العامة، يمكن الحديث عن أن "المستقبل"، الذي سيسعى في غالبية الدوائر الإنتخابية إلى خفض نسبة الإقتراع، على قاعدة أن هذا الأمر يؤكد نظرية عدم وجود بديل عن الحريري، يفضل أن لا يكون السنيورة هو الرابح في هذه المعركة، نظراً إلى أن ذلك يفتح الباب أمام الحديث عن وجود زعامة جديدة من قلب البيت السياسي نفسه، مع وجود مرشحين محسوبين عليه في العديد من الدوائر رغم نفيه ذلك، كعكار وبيروت الثانية على سبيل المثال.

بالنسبة إلى السنيورة، الذي سعى إلى أن يكون له مرشحين في غالبية الدوائر التي يملك فيها الحضور المؤثر: صيدا-جزين، الشوف-عاليه، بيروت الثانية، زحلة، بعلبك الهرمل، طرابلس-المنية الضنية، عكار، يراهن على العودة السعودية إلى لبنانلترجمة ذلك دعماً له، بالرغم من عدم وضوح موقف الرياض حتى الآن، بعد أن كان قد تحالف مع حليفها الأساسي، أي "القوات"، في غالبية الدوائر.

هذا الواقع، دفع البعض إلى الحديث عن أن خطوة السنيورة تساعد "القوات" على تأمين الحاصل في البعض منها (صيدا-جزين، عكار، بعلبك الهرمل، زحلة)، من دون أن يسمح ذلك لمرشحيه في ضمان فوزهم بالمقاعد التي يترشحون عليها، خصوصاً إذا لم ينجحوا في إقناع جمهور "المستقبل" بالتصويت لصالحهم بنسبة كبيرة، في ظلّ الحملة التي تُخاض ضدهم من قبل التيار.

بالنسبة إلى القوى والشخصيات التي تدور في فلك قوى الثامن من آذار، حيث كان الحديث عن أن "حزب الله" سيسعى إلى إستغلال غياب "المستقبل" ليفوز بالعدد الأكبر من المقاعد النيابية، أثبت مسار المعركة أن الحزب لم يسعَ إلى ذلك جدياً، لكن ظروف المعركة، في ظل غياب "المستقبل"، ستسمح له في تعزيز حضوره في أكثر من دائرة، وربما الفوز في دوائر أخرى في حال كانت نسبة التصويت السنّي ضعيفة.

في قراءة الواقع الراهن على هذه الساحة، لا ينبغي تجاهل وجود قوى وشخصيات أخرى من خارج المحاور الثلاثة ستسعى إلى الفوز بمقاعد إضافية هذه المعركة، كالنائب فؤاد مخزومي على سبيل المثال، من دون أن يعني ذلك قدرتها على تشكيل كتلة نيابية سنية وازنة، تملك القدرة على أن يكون لها الحضورالبارز في الإستحقاقات التي ستلي الإنتخابات النّيابية، نظراً إلى أنّها لا تملك مرشحين في دوائر مختلفة من الممكن أن يقود فوزهم إلى ذلك.

وفي حين من الضروري التأكيد على أن هذه المعركة تتأثر بالعامل السعودي، لا سيما إذا ما قررت الرياض أن يكون لها توجهاً واضحاً في الفترة الفاصلة عن فتح صناديق الإقتراع، لناحية تزكية لوائح أو مرشحين محددين، الكتلة الأكبر من المفترض أن يكون لها دوراً أساسياً في تسمية رئيس الحكومة المكلف، بعد الإستحقاق الإنتخابي، بالرغم من الميل إلى إعادة تكليف ميقاتي، بالإضافة إلى الحضور على طاولة المباحثات، في حال تقرر أن يكون هناك محوراً وطنياً، سواء كان ذلك داخل لبنان أو خارجه.

في المحصّلة، هي معركة أساسية، في الإستحقاق المنتظر، فرضها غياب "المستقبل" عن المشهد، نظراً إلى أن حضوره كان من الممكن أن يحسم هوية العدد الأكبر من المقاعد السنية، على عكس الواقع الراهن الذي يعطي الأرجحيّة لقوى الثامن من آذار، لكن ظروفها لا تزال من الممكن أن تتبدل، في الأيام المقبلة، في حال طرأت تطورات من خارج الحسابات الحالية.