على وقع السجال المستمر حول ملف ​ترسيم الحدود البحرية​، لا سيما بعد الزيارة التي قام بها الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين إلى بيروت، كان الحدث الأبرز في مكان آخر هو العاصمة ال​مصر​ية القاهرة، حيث تم توقيع مذكرة تفاهم بين ​الإتحاد الأوروبي​ و​إسرائيل​ ومصر، تهدف إلى تعزيز صادرات غاز شرق البحر المتوسط إلى القارة العجوز.

في هذا السياق، كان العنوان الأبرز هو ما ورد في بيان وزارة البترول المصرية، لناحية الإشارة إلى "التعاون في مجال تجارة ونقل وتصدير الغاز الطبيعي، بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي، تحت مظلة منتدى غاز شرق المتوسط".

بالنسبة إلى مصادر متابعة، التركيز على دور هذا المنتدى له تداعيات لن يكون ​لبنان​ بمنأى عنها، نظراً إلى أنه ليس من ضمن أعضاء هذه المنظمة، ومن غير المرجح أن ينضم إليها على إعتبار أن تل أبيب هي من أبرز أعضائه.

وتشير هذه المصادر، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن من أبرز النقاط التي يمكن الإشارة إليها، بالنسبة إلى هذه المذكرة، هي تلك المتعلقة بتشجيع الإتحاد الأوروبي للشركات الأوروبية على المشاركة في عطاءات التنقيب في إسرائيل ومصر، بالإضافة إلى إمكانية أن يساعد الإتحاد في تمويل تطوير البنية التحتية للطاقة في البلدين.

وتلفت المصادر نفسها إلى أنّ لبنان معني بنقطتين أساسيتين: الأولى هي أن بعض الشركات الأوروبية معنيّة بالتنقيب عن النفط في مياهه الإقليمية، أما الثانية فهي الإستثمارات المتعلقة بالبنى التحتية، لا سيما أن الدول أو الشركات لا تلجأ عادة إلى الإستثمار في مشروع، في حال لم تكن بحاجة إلى ذلك.

منذ تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، طُرحت الكثير من علامات الإستفهام حول الخيارات البديلة التي من الممكن أن يذهب إليها لبنان، نظراً إلى أنه عند إستشكاف الغاز لا يمكن التفكير فقط بالسوق الداخلي، حيث كان هناك من يطرح إمكانية أن يكون هناك منتدى آخر برئاسة تركيا.

على الرغم من أن فكرة الذهاب نحو تأسيس منتدى آخر لم تكن واضحة في أي وقت، بحسب ما تشير مصادر مطلعة عبر "النشرة"، إلا أن القضية باتت أكثر تعقيداً، نظراً إلى أن أنقرة، في الفترة الماضية، كانت قد عادت إلى التقارب مع تل أبيب والقاهرة على مستوى علاقاتهما السياسية، وكان ملف الغاز هو العنوان الأساسي.

هنا يصبح من الضروري السؤال عما يمكن أن يقوم به لبنان على هذا الصعيد، بحسب ما ترى المصادر نفسها، نظراً إلى أن عليه التفكير بأمرين أساسيين: الأول هو كيفية تجنب الدخول في مفاوضات طويلة الآمد حول ترسيم الحدود، من المؤكد أنها ستعيق العمل على إستثمار موارده الطبيعية، أما الثاني فهو كيفية الإستفادة من هذه الثروات على المستوى التجاري في مرحلة لاحقة.

على هذا الصعيد، من الضروري الإشارة إلى وجود 3 مشاريع، حتى الآن، لتصدير الطاقة نحو أوروبا، الأول هو الذي تناولته المذكرة بين مصر وإسرائيل والإتحاد الأوروبي، أما الثاني فهو مشروع "إيست ميد"، حيث وقّعت تل أبيب في العام 2016 إتفاقاً مع قبرص اليونانية لنقل غاز إسرائيل وقبرص عبر اليونان إلى أوروبا، لكن واشنطن أعلنت، كانون الثاني الماضي، سحب دعمها لهذا المشروع.

أما المشروع الثالث، فهو ذلك هو الذي تطمح بالوصول إليه أنقرة، أي إنشاء خط أنابيب تحت البحر لضخ الغاز الإسرائيلي إلى المستهلكين الأتراك وإلى أوروبا، لكن الكثير من علامات الإستفهام تُطرح حوله، بسبب العلاقات التركية الأوروبية والعلاقات التركية الإسرائيلية، خصوصاً أن التعامل مع أنقرة لا يزال على قاعدة أنها قد لا تكون محل ثقة، بينما المشروع يسير قدماً.

بحسب مصادر معنية بالملف من الجانب اللبناني، الإطار القانوني يفرض على المُشغل أن يقدم الخطط حول نقل الغاز إلى الشاطئ وكيفية بيعه بعد الوصول إلى اكتشافه، وتشير إلى أنّ الشركة الفرنسيّة "​توتال​" لا تزال حاضرة وتحضّر للحفر في البلوك رقم 9 بعد النتائج التي ظهرت من البلوك رقم 4، وتوضح أن تلك النتائج أظهرت أن النظام البترولي اللبناني ينتج غازاً، وتضيف: "الشركة أخذت قطوعات من البئر الذي تم حفره وقامت بدراسات حولها للإستفادة منها".

وتلفت هذه المصادر إلى أنه من الناحية الجيوسياسية فإنّ "توتال" مهتمة بالوصول إلى إتفاق تسوية مع الجانب الإسرائيلي، لا سيما إذا ما كان هناك من حقول تتخطى الحدود، لكنها توضح أن تمديد مهلة تنفيذ عقد الاستكشاف لنحو 3 سنوات في البلوك الرقم 9، ولمدة عام واحد في البلوك الرقم 4، كان أمراً بالغاً الأهمية، نظراً إلى أن موقع لبنان التفاوضي، في حال عدم وجود شركة، كان سيكون أضعف.

في قراءة المصادر نفسها لمسار التفاوض مع تل أبيب، لبنان أمام سيناريوهين: التسوية أو الخلاف، وتشير إلى أن الجانب الإسرائيلي لا يمكن أن ينتج في حال عدم الوصول إلى أيّ إتفاق، رغم كل التحذيرات التي يطلقها، وتضيف: "الوصول إلى تسوية سيسرع من عمل شركة توتال في البلوك رقم 9 على نحو كبير".