أثارت دعوة رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ إلى ​الاستشارات النيابية​ الملزمة لتسمية رئيس حكومة جديد الكثير من الجدل في الأوساط السياسية، وذلك بسبب طول المدّة الفاصلة بين صدورها وموعد الاستشارات، حيث وصلت إلى ثمانية أيام، فيما كان مُنتظَرًا أن تتمّ مطلع الأسبوع المقبل على أبعد تقدير، نظرًا للظرف الاستثنائي الذي لا يحتمل "تضييع" الوقت، طالما أنّ الحكومة التي ستشكّل لن تحكم سوى لأشهر معدودات.

ولعلّ ما عزّز من الجدل حول هذه المسألة هو ذهاب البعض لحدّ القول إنّ الموعد الذي حُدّد للاستشارات قد لا يكون نهائيًا، وإنّ الرئيس لن يتأخّر في تأجيلها مرّة أخرى، إذا لم يتمّ التوافق على حدّ أدنى من التفاهمات قبلها، والتمست إحدى الكتل النيابية التأجيل، خصوصًا أنّ الرئيس خلافًا لوجهة النظر "المستعجلة"، يصرّ بحسب المقرّبين منه، على وجوب "تحصين" من سيتمّ تكليفه، تفاديًا للعودة إلى سيناريو "تكليف بلا تأليف".

لكنّ "الجدل" الذي أثارته الدعوة الرئاسية لم تقتصر على هذا التفصيل، بل وصلت إلى "مواعيد" النواب، حيث لفت الانتباه أنّ الرئيس ميشال عون سيلتقي نواب ما باتت تُعرَف بكتلة "التغيير" فرادى لا مجتمعين، كما كان متوقَّعًا، رغم أنّه سبق أن التقى قبل أيام وفدًا منهم، ما طرح العديد من علامات الاستفهام، عن "السرّ" خلف ذلك، وما إذا كان النواب "التغييريون" قد تفرّقوا، خصوصًا أنّهم لم يعلنوا بعد رسميًا عن تكتّلهم "الموعود".

بالنسبة إلى الأوساط الرئاسية، فإنّ أيّ خلفيّات سياسية لا يمكن أن تُعطى لتوزيع المواعيد، لأنّ تحديد موعد لكتلة مجتمعة يبقى أكثر سهولة وأريحيّة من تحديد مواعيد منفصلة للنواب، كل على حدة، إلا أنّ دوائر قصر بعبدا تلتزم باللوائح كما تَرِدها من ​الأمانة العامة لمجلس النواب​، وأنّ الأخيرة لم تتبلّغ بشكل رسمي من نواب "التغيير" تأسيس أيّ تكتّل موحّد لهم، رغم أنّهم سبق أن حدّدوا أكثر من موعد لذلك، من دون أن يترجموا القول بالفعل.

وتؤكد الأوساط أنّ أيّ "تغيير" في الجدول يبقى واردًا من الآن وحتى موعد الاستشارات، ولا مانع بالمُطلَق أن يحضر العديد من النواب مجتمعين للقاء الرئيس، كما أنّ بإمكان النواب "التغييريين" الإعلان عن تكتلهم قبل يوم الخميس المقبل، ليُبنى عندها على الشيء مقتضاه، علمًا أنّ ثمّة ما يُحكى خلف الكواليس عن "تباينات" بين هؤلاء النواب، حتى في مقاربة استحقاق التكليف، قد تكون أدّت إلى "تفرّقهم" قبل الأوان.

وفيما يرفض بعض العارفين بأجواء النواب "التغييريين" أي تفسيرات أو تأويلات تُطرَح من هنا أو هناك، يؤكّدون أنّ ما أخّر ولادة "التكتل الموعود" ليس عبارة عن خلافات أو تباينات، خصوصًا أنّ الجميع يدرك "الخصوصية" التي يمتلكها كلّ نائب من هؤلاء، وما رغبتهم في الاجتماع في تكتّل واحد، سوى لتوحيد المواقف في الاستحقاقات الكبرى، من دون "ذوبان" أحد في الآخر، وهذه الرغبة ينبغي أن تترجم على شكل "برنامج عمل واضح" يتمّ العمل عليه.

من هنا، يقول هؤلاء إنّ كتلة النواب "التغييريين"، إن أبصرت النور، لن تشبه الكتل السياسية الأخرى، وهذا تحديدًا مَرَدّ التأخير في إعلانها، فهي لن تكون كأيّ كتلة سياسية برئيس وأعضاء يلتزمون قرارات الحزب الذي ينتمون إليه، وإنما ستكون كتلة متنوّعة تعمل على تطبيق برنامج عمل نموذجي ومتكامل، وطالما أنّ هذا البرنامج لم يُنجَز بعد، فلا داعي للإعلان عن الكتلة، طالما أنّ أعضاءها شبه معروفين أساسًا.

لكن، هل يعني ذهاب نواب "التغيير" فرادى إلى الاستشارات أنّ موقفهم لن يكون موحَّدًا، خصوصًا بعدما أظهرت العديد من الاستحقاقات السابقة، ولا سيما "معركة" نائب رئيس البرلمان، كما استحقاق اللجان، وجود اختلافات في المقاربة التي ينطلقون منها؟.

حتى الآن، يقول نواب "التغيير" أنفسهم إنّ موقفهم سيكون "موحّدًا"، رغم وجود عدّة أفكار ورؤى فيما بينهم على كيفية مقاربة استحقاق ​رئاسة الحكومة​، على أن يُحسَم الموقف في اجتماعات مكثّفة سيعقدونها خلال اليومين المقبلين، فهناك فريق متمسّك برفض التنسيق مع أيّ من الأحزاب والقوى السياسية التقليدية، بما فيها "​القوات​" و"الكتائب"، فيما يعتبر فريق آخر أنّ مثل هذا التنسيق "ضروريّ" لإحداث "خرق ما" والابتعاد عن "الشعبوية".

وهناك من يطرح حلاً وسطًا في هذا السياق، قد يكون قابلاً للترجمة، وهو أن يتوافق نواب "التغيير" أنفسهم على مرشح محدّد لرئاسة الحكومة، يتوافق مع المواصفات المحدّدة من جانبهم للموقع، فضلاً عن المبادئ والثوابت التي يرفعونها، فيتمّ تبنّيه من سائر القوى والأحزاب السياسية، وعندها لا يمكن أن يوضَعوا بموضع الاتهام أمام الرأي العام، كما حصل حين تبنّوا هم مرشح "​الحزب التقدمي الاشتراكي​" لمنصب نائب رئيس مجلس النواب.

لكن، هنا أيضًا، ثمّة العديد من العوائق التي يتحدّث عنها البعض، من بينها أنّه من الأفضل تفادي أن يُحسَبوا على أيّ فريق، في معركة تبدو "خاسرة سلفًا"، أولاً لأنّهم يفضّلون البقاء في صفوف المعارضة، أقلّه في "آخر حكومات العهد"، وثانيًا لأنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال ​نجيب ميقاتي​ "شبه ضامن" للفوز، فضلاً عن أنّ رئيس الجمهورية لن يوقّع على مراسيم تأليف أيّ حكومة لا يكون راضيًا عنها، ولا يحصل فيها "​التيار الوطني الحر​" على حصّة وازنة.

في المجمل، يؤكد نواب "التغيير" أنّهم لم يتفرّقوا، كما أوحى جدول الاستشارات، رغم التباينات التي تحصل بينهم، والتي يعتبرونها مصدر "تنوّع وغنى" في المقام الأول، وأنّ المسألة العالقة "لوجستية" فحسب، لكن يبدو أنّ "العين" ستبقى عليهم في قادم الأيام، قبل وبعد تكليف رئيس للحكومة، خصوصًا أنّ هناك من لا يزال يدعو إلى عدم النظر إلى نواب "التغيير" بعين واحدة، بما يظلمهم قبل غيرهم، وقد يكون مثل هذا الرأي أكثر من صائب!.