مع إقتراب موعد المهلة الزمنية المحدّدة لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية، يبدو أن ​لبنان​ قد يكون، في الفترة المقبلة، على موعد مع أزمة خطيرة، لا سيما في ظلّ الخلاف العلني القائم حول قدرة حكومة تصريف الأعمال، على تسلّم صلاحيّات الرئيس، في حال لم ينجح المجلس النيابي في إنتخاب خلف لرئيس الجمهورية ​ميشال عون​.

هذا الواقع، دفع العديد من الأفرقاء إلى تجديد الدعوة لتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، لكن من حيث المبدأ فرص التوافق لا تبدو كبيرة، الأمر الذي أعاد الحديث عن إحتمال الوصول إلى خلاف دستوري إلى الواجهة.

في هذا السياق، يبدو أنّ الجميع مقتنع بعدم بقاء عون في قصر بعبدا، سواء نجحت جهود ​تأليف الحكومة​ أو فشلت، وهو ما يؤكد عليه الخبير ​الدستور​ي ​عادل يمين​، في حديث لـ"النشرة"، حيث يشير إلى أن بقاءه بعد 31 تشرين الأول غير وارد، وهو سيخرج مرفوع الرأس عند إنتهاء ولايته.

من وجهة نظر يمين، الإحتمالات لتجنب تزامن الشغور الرئاسي مع حكومة تصريف أعمال تتركز على إجراء إنتخابات رئاسيّة، أو تأليف حكومة تنال ثقة المجلس النيابي منعًا لإحتمال الوقوع في الشغور، ويلفت إلى أن التأليف، في المرحلة الراهنة، هو مع نجيب ميقاتي، لكن إذا ما تبين أن هناك ممانعة من قبله لا بد من البحث عن حلول أخرى.

من جانبه، يرى الخبير القانوني والدستوري ​سعيد مالك​، في حديث لـ"النشرة"، أنه أمام صراحة المادة 62 من الدستور، التي تنصّ على أنه "في حال خلوّ سدّة الرئاسة لأيّ علّة كانت تناط صلاحيّات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء"، وعملاً بسوابق حصلت بعد ​إتفاق الطائف​، أبرزها مغادرة الرئيس السابق إميل لحود عند إنتهاء ولايته، بالرغم من أنّ الحكومة في حينها كانت، من وجهة نظر فريق الرئيس، غير ميثاقيّة وغير دستوريّة، من المفترض أن يغادر عون القصر عند إنتهاء ولايته.

بالنسبة إلى مالك، في حال قرّر عون البقاء في القصر الجمهوري بعد إنتهاء ولايته، يصبح كمّن يغتصب السلطة، لأنه بعد تاريخ 31 تشرين الأول يعود مواطناً عادياً لا صفة أو موقع دستوري له، نظراً إلى أنّ المادة 69 من الدستور تنصّ على أن ولاية رئيس الجمهورية هي 6 سنوات.

أمام هذه الواقع، يصبح من الضروري البحث عن الخيارات التي يحددها الدستور، في ظل الخلاف السياسي-الدستوري المنتظر، حول قدرة حكومة تصريف الأعمال على تسلّم صلاحيات رئيس الجمهورية.

على هذا الصعيد، يعتبر يمين أنه قبل الوصول إلى هذه المرحلة، من الممكن إعادة البحث بتكليف شخصيّة أخرى تأليف حكومة تنال ثقة المجلس النيابي، سواء كان ذلك نتيجة إعتذار ميقاتي أو بتفاهم بين رئيس الجمهورية والأغلبيّة النّيابية على سحب التكليف منه، ويؤكّد أنّ ليس هناك من نصّ دستوري حول هذه المسألة، لكن صاحب التكليف ومصدره هو رئيس الجمهورية والمجلس النيابي، وفي حال قررا نزعه يملكان القدرة على ذلك.

بدوره، يوضح مالك أن خيار تسليم رئيس الجمهورية الحكم إلى حكومة ينتقيها أو يختارها كان وارداً قبل إتفاق الطائف، كما حصل عندما قرر الرئيس السابق أمين الجميّل تسليم الحكم إلى المجلس العسكري، لكنه يؤكد أنه بعد الطائف أصبح هذا الأمر مستحيلا نظراً لصراحة النص، ويشدّد على أنّ حكومة تصريف الأعمال قادرة على تسلّم صلاحيات رئيس الجمهورية عند إنتهاء ولايته.

ويرى مالك أن ذلك يمكن التأكيد عليه من خلال العودة إلى الإجتهادات الدستورية السابقة، أي غير المرتبطة بالواقع الحالي، نظراً إلى أن تلك التي تصدر في الوقت الراهن قد تكون مرتبطة بحسابات ضيّقة، حيث يلفت إلى أنّ الدكتور محمد المجذوب، عندما أصدر الطبعة الخامسة من كتابه في العام 2018، فنّد هذه الثغرة، وتكلّم صراحة عن أنّ حكومة تصريف الأعمال هي التي تتسلم، تأميناً وصوناً لسير الدولة والمؤسسات.

في المقابل، يشير يمين إلى أنّه بحال إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية، من دون إنتخاب رئيس جديد أو وجود حكومة كاملة الصلاحيّات، ستكون البلاد بمواجهة أزمة نظام، تفتح الأبواب أمام تعديل إتفاق الطائف والأحكام الدستوريّة التي انبثقت عنه، ويشدّد على أنّ المخرج الوحيد هو بالذهاب إلى إنتخاب رئيس جديد، قبل نهاية ولاية الرئيس الحالي، أو بالذهاب إلى تأليف حكومة تنال ثقة المجلس النيابي.

في المحصّلة، البلاد، عند إنتهاء ولاية عون، ستكون حكماً أمام خلاف سياسي-دستوري خطير، لا يمكن التكهّن بكيفيّة الخروج منه، بينما المخارج البديلة محدّدة بولادة حكومة، تنال ثقة المجلس النيابي، أو إنتخاب رئيس جديد قبل هذا التاريخ، في حين أن الصعوبات التي تعتري الأمرين معروفة.