وسط الوضع السوداوي، يأتي انعقاد الجلسات الانتخابية الفاشلة، ومن ضمنها الجلسة الجديدة المقررة بعد غد، حيث ان مجريات هذه الجلسات تقدم اجابات واضحة عن عمق الانقسام الذي يسمّم الاستحقاق الرئاسي. وتبعاً لذلك تؤكد مصادر مجلسية لـ"الجمهورية" انه لا يمكن القبول بأن تستمر مسرحية الفشل الى ما شاء الله، مسرحية يتلهّى فيها البعض بترشيح ميشال معوض رغم علمهم بأنه لا مجال له لأن يعبر ويؤمن الاكثرية التي تؤهله للفوز، بل بالعكس يسجل في كل جلسة فشلا جديدا، وفي المقابل تواجهه الاوراق البيض، وتصويت أقل من متواضع لبعض الاسماء المغمورة، وسيبقى الامر على هذا المنوال طالما ان التوافق على مرشح جدي معدوم.

ورداً على سؤال حول المطالبات بأن يأخذ المجلس النيابي دوره في انتخاب رئيس للجمهورية، قالت المصادر: "المجلس يمارس دوره، فالدعوات التي توجّه الى المجلس هي دعوات تنم عن جهل او عن تقصّد افتراء، فالمجلس يختزل المكونات السياسية في البلد، وها هو ينعقد ويسجّل فشلا تلو الفشل في انتخاب الرئيس. ولذلك قبل التوجه الى المجلس وتحميله المسؤولية ينبغي التوجه الى المكونات المنقسمة على بعضها البعض، اما بدعوات صادقة لا تنطوي على اي تحامل ضمني، واما بحراك مساعد لتقريب المسافات بين تلك المكونات التي يقدّم بعضها يومياً وصفات لتمديد عمر الفراغ الرئاسي".

إن الكواليس السياسية وفق معلومات "الجمهورية" يتجاذبها كلام صريح ومباشر يعبّر عن حالة ضياع بلا افق. وتبرز فيها مصارحة جرت بين احد كبار المسؤولين وشخصية سياسية وسطية عاكَست كل الكلام القائل إنّ أمد الفراغ الرئاسي لن يكون طويلا.

في هذه المصارحة، تبدّت مقاربة شديدة التشاؤم للملف الرئاسي. جوهرها القلق البالغ من انزلاق الامور الى حضيض متفجر وتداعيات دراماتيكية. مع وضع تحولت فيه المكونات السياسية الى مجموعة اضداد، ضبطت المشهد السياسي على حافة الصدام. حيث تتزايد الخشية من ان يتخذ التصعيد القائم، في اي لحظة، حركة كرة الثلج، في اتجاه تطورات كبرى تفتح ابواب الصراع الداخلي على مصاريعها، ما قد يخلق تداعيات سترخي بآثار سلبية اضافية على مجمل الملفات الداخلية الملتهبة اصلاً.

وتستند هذه المصارحة السوداوية الى انّ المؤشرات مثيرة للقلق في حقل الاضداد السياسية، وتشي بأنّ بعض المكونات الداخلية مأسورة برغبة التصادم، وتغرد خارج سرب التلاقي والتوافق، وتتخذ من أجنداتها وحساباتها الشخصية والحزبية والشعبوية منطلقاً للهجوم على كل الاتجاهات لفرض مزيد من التعقيدات على مجمل المشهد الداخلي، علماً ان هذا المنحى يشكل اعتداء صارخا مباشرا على استقرار البلد.

وينقل عن المسؤول الكبير قوله: "لا يمكن ان نشهد تغييرا طالما هناك من هو غير مستعد لأن يغير ما في نفسه، ومن هنا نحن لسنا امام استحقاق رئاسي معطل فحسب، بل امام عقلية معطلة وكارهة لكل عناصر الاستقرار وعوامله، ورافضة للبننة الاستحقاق الرئاسي".

اضاف: "المشكلة الاساس تتبدى في ان لبنان اليوم اصبح متغيرا بشكل جوهري قياسا الى ما كان عليه في السنوات الماضية، ثمة انقلاب كامل في الصورة، ومع ذلك ثمة من يتجاوز عمداً تجارب الماضي بكل صداماتها وانتكاساتها على الجميع، واوقف عقارب الزمن عند حساباته ورهانات على اعتقاد بأن متغيرات وتبدلات محلية او خارجية ستطرأ وتغلّب توجهاته وخياراته في ما يريدها لعبة غالب ومغلوب.. هنا اصل الكارثة".

القوى الأمنية قد تفقد السيطرة والحراك الشعبي سيندلع مجدداً | واشنطن: الانهيار يحرّر لبنان من حزب الله

كتبت صحيفة "الأخبار" تقول: حذرت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، من أن لبنان مفتوح أمام كل السيناريوهات، بما فيها «تفكك كامل للدولة»، وقالت إن اللبنانيين سيضطرّون على الأرجح إلى تحمّل مزيد من الألم قبل تشكيل حكومة جديدة.

وفي لقاء نظّمه «مركز ويلسون» عن ال​سياسة​ الأميركية في لبنان، الجمعة الماضي، وأداره السفير الأميركي السابق في لبنان ديفيد هيل، قالت ليف: «أرى سيناريوهات عدة، التفكك هو الأسوأ بينها... قد تفقد قوى الأمن والجيش السيطرة وتكون هناك هجرة جماعية، هناك العديد من السيناريوهات الكارثية. وفي الوقت نفسه أتخيل أن البرلمانيين أنفسهم سيحزمون حقائبهم ويسافرون إلى أوروبا، حيث ممتلكاتهم».

وأشارت إلى أنه «ليس عمل الديبلوماسيين الأجانب الذهاب إلى مجلس النواب والضغط على النواب لانتخاب رئيس. أعتقد أنه يجب أن تسوء الأمور أكثر، قبل أن يصبح هناك ضغط شعبي يشعر به النواب. نحن نضغط على القادة السياسيين ليقوموا بعملهم ولكن لا شيء يؤثر مثل الضغط الشعبي، وعاجلاً أم آجلاً، سيتحرك ذلك من جديد». ولفتت إلى أن «هناك طروحات تقول إن انهيار لبنان سيمكّن بطريقة ما إعادة بنائه من تحت الرماد، متحرّراً من اللعنة التي يمثّلها حزب الله له (...) ولكن شعب لبنان، وجيرانه الأردن وإسرائيل والشعب السوري، سيتحملون العبء الأكبر لانهيار الدولة، لذلك فإن جهودنا مركزة على تفادي هذا السيناريو، والضغط على من يحكمون البلد». واعتبرت أن «حزب الله يشكل تهديداً لنا ولجيران لبنان، وللبنانيين أنفسهم. ونحن مستمرون في فرض عقوبات وحصار شبكاته في المنطقة وغيرها».

ورأت ليف أن «لبنان بحاجة عاجلة لانتخاب رئيس وتسمية رئيس وزراء، ثم تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات لتعمل على بعض القرارات المهمة، بينها إصلاحات جوهرية والموافقة على قروض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، الخاصة بتمويل صفقات الطاقة». وعن المقاربة الأميركية للوضع الحالي في لبنان، أوضحت أن «الولايات المتحدة مستعدة للعمل مع الحكومة على تمكين لبنان، ولكن يجب أن تكون هناك حكومة كاملة الصلاحيات لتقوم بمهامها المتعلقة بالإصلاح الاقتصادي».

وأكدت ليف أن بلادها والسعودية لديهما قواسم مشتركة في ما خص الوضع اللبناني. «لقد مرت علاقاتنا بفترة توتر. لكن لدينا قواسم مشتركة استراتيجية، لا سيما في البلدان الأكثر حساسية مثل لبنان واليمن». لذلك، «عملنا بشكل مكثف من أجل الإصلاحات، والفرنسيون كذلك تدخلوا... السعوديون تراجعوا ولكن أعتقد أنهم سيعودون من جديد».

وعن اتفاق ترسيم الحدود البحرية، قالت ليف إن «الاتفاق يحمي أمن إسرائيل ومصالحها الاقتصادية، ويعطي لبنان فسحة لبدء نشاط التنقيب عن موارد الطاقة، ويدعم مصالح الولايات المتحدة والشعب الأميركي وتطلعاتها لشرق أوسط مزدهر ومتكامل، مع احتمالات أقل لاندلاع نزاعات».

وقالت إنه إلى جانب إصلاح القطاع المصرفي والعمل على القروض مع البنك الدولي وصندوق النقد «يجب إصلاح قطاع الكهرباء ولكن هناك مقاومة كبيرة. شحنات النفط الإيرانية التي تسمى إنقاذية، كلها تهرّب ولا تدخل إلى شبكة الطاقة». أضافت أن «هناك اعتقاداً خاطئاً بين معارضي إصلاح قطاعي المصارف والكهرباء، بأننا لسنا بحاجة إلى قرض الثلاثة مليارات دولار، بوجود الغاز الطبيعي. هذا عمل يحتاج سنوات من الاستكشاف والتنقيب ومعرفة ما الإمكانات التجارية... ليست نقوداً في المصرف».

وعما إذا كان اتفاق الترسيم يمهّد لمرحلة جديدة من التطبيع، بما يشمل لبنان؟، قالت: «إنه سؤال جيد لدرجة أني لم أستطع الإجابة عليه لنفسي. هناك شعور بأن هناك تقاطعات ولدت بين لبنان وإسرائيل. لا أدري ما هو السحر الذي أتاح ذلك؟ الأشخاص في الحكومة في لبنان أدركوا الخسارة التي ضيّعوها خلال السنوات الماضية لأنهم لم يصلوا إلى اتفاق مع إسرائيل».