منذ تاريخ الشغور الرئاسي، أي بعد إنتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، تُطرح الكثير من السيناريوهات حول الموقف السعودي من ​الإنتخابات الرئاسية​، على قاعدة أن ​الرياض​ تعتبر من أبرز اللاعبين المؤثّرين في هذا الإستحقاق، وصولاً إلى الحديث، في المرحلة الراهنة، عن أن إنجازه يتوقف على موقفها من المرشّح المتقدّم على باقي المرشحين، أي رئيس تيار "المردة" النائب السابق ​سليمان فرنجية​.

في الأسابيع الماضية، كل النقاشات تدور حول إمكانية نجاح الجانب الفرنسي في إقناع الرياض بالسير بتسوية أو مقايضة، تقوم على أساس إنتخاب فرنجيّة مقابل إختيار رئيس حكومة يكون من المقرّبين لها، وقد عزّز هذا الخيار، عند الكثير من الأوساط اللبنانية، المسار الذي سلكته التطورات الإقليميّة بعد الإتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية.

على الرغم من كل ما يدور حول الموقف السعودي من الملفّ اللبناني، بات من الضروري تحديد مجموعة من المعادلات التي تحكمه، لفهم التوازنات القائمة والتعامل بواقعية مع السيناريوهات المحتملة على هذا الصعيد، لا سيّما أن هناك يتعامل معه على أساس أنه لا يزال ذلك الذي كان قائماً قبل إعتلاء الملك سلمان بن عبد العزيز أو تولي نجله محمد بن سلمان ولاية العهد، في حين أنّ الأمور تبدلت بشكل كلي.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ الرياض غير مضطرة لوضع أيّ فيتو على مرشّح رئاسي، نظراً إلى أن الإنتخابات النيابية الماضية أفرزت أكثر من ثلث ضامن على مستوى ​المجلس النيابي​، وقد تعزز هذا الأمر نتيجة المواقف السياسية المعلنة من الخيارات الرئاسيّة المطروحة، في الوقت الراهن، لا سيما من ترشيح رئيس تيار "المردة".

بالنسبة إلى هذه المصادر، ما يمكن الحديث عنه اليوم هو الحرص المحلي والدولي على دفع السعوديّة إلى المشاركة في أيّ تسوية رئاسية محتملة، بغض النظر عن شكلها ومضمونها، نظراً إلى الحاجة الماليّة لها بالدرجة الأولى، لكن ما ينبغي البحث عنه هو الأسباب التي قد تدفع الرياض إلى مثل هذه المشاركة من جديد، خصوصاً بعد أن كثر الحديث، في السنوات الماضية، عن أنها لم تعد مهتمة بالملف اللبناني.

في عز الإنقسام السياسي، الذي نتج بعد إغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، صرفت المملكة الكثير من الأموال على الحلفاء من دون أيّ نتيجة تذكر على مستوى التوازن الداخلي، الأمر الذي كان سبباً رئيسياً في قرار الإنكفاء، أما اليوم فيمكن الحديث عن توازن سياسي غير مباشر بأقلّ التكاليف الممكنة، حيث لدى حلفائها القدرة على تعطيل أيّ تسوية لا ترضى عنها، وليس لدى الفريق الآخر الرغبة أو القدرة في الذهاب إلى خيار من هذا النوع.

في قراءة المصادر السياسية المتابعة، أبرز أسلحة الأفرقاء المؤيدين لفرنجية هو الرهان على عامل الوقت، على قاعدة أنّه من الممكن أن يقود إلى تبدل المعادلة، لكنها هنا تطرح سؤالاً أساسياً: "من قال إن الرياض متضررة من الواقع الحالي أو لديها الرغبة بالإنتهاء منه بأي ثمن"؟ لتشير إلى أنّ من يتذكر كيفيّة تعاملها مع الملفّ المحلي، في السنوات الماضية، يدرك جيداً أنها غير مهتمّة، وتضيف: "في الإنتخابات النّيابية الماضية لم تذهب إلى التدخل إلا بحدود معينة، لا ترتقي إلى ما كان قائماً بين عامي 2005 و2009، بالرغم من الحديث المتكرر عن أهميتها".

من وجهة نظر هذه المصادر، أبرز تعبير عن كيفية تعامل السعودي مع الملف اللبناني، يكمن بطريقة تعاملها مع المبادرة الفرنسيّة، حيث تحصر النقاش بالحديث عن مواصفات، أما في حال كانت غير راضية فهي تبلغ ​باريس​ أنّها لا تستطيع القيام بما تريد لكن لا يجب أن تطلب منها شيئاً في المقابل، وهي اليوم تستطيع أن تطلب من أي جهة، تريد أن تقدم طرحاً لا ترضى عنه، أن تسعى إلى تسويقه لدى الأفرقاء اللبنانيين، من دون أن تكون مضطرة إلى أخذ أي موقف حاسم أو علني.

في المحصّلة، من العلامات الفارقة، في المرحلة الراهنة، أنّ القوى الداعمة لرئيس تيار "المردة" تدافع، بصورة غير مباشرة، عن الموقف السعودي، عبر التشديد اليومي على أنّها لا تضع فيتو على ترشيحه، الأمر الذي كان ليبدو مختلفاً فيما لو كانت منخرطة في المعركة، لكن المصادر نفسها تشدّد على أن ما يمكن وصفه بالخطوط الحمراء لدى الرياض، الذي قد يدفعها إلى التدخّل المباشر، المسّ ب​إتفاق الطائف​، وهو ما لا بوادر أن هناك من يفكر به في الوقت الحالي.