منذ تاريخ حادثة الكحالة، بات من الواضح أن العديد من الجهات في قوى المعارضة تسعى إلى العودة إلى الخطاب التصعيدي، الأمر الذي تُرجم من خلال الإعلان عن أنها لا ترى جدوى من الحوار مع "​حزب الله​" وحلفائه، وهو ما دفع بالكثيرين إلى السؤال عن أفق هذا الخطاب، لا سيما لناحية النتائج التي من الممكن أن يحققها على المستوى العملي.

في بعض الأوساط السياسية، حديث عن أن هذا الخطاب يعيد إلى الواجهة المرحلة التي تلت صدور القرار الدولي ​1559​ وإغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في العام 2005، وبالتالي من الممكن أن يفتح الباب أمام رهانات كبيرة تتعلق بالعلاقة مع "حزب الله" وسلاحه، لكن من الناحية العملية هل تتوفر الظروف المناسبة؟.

في قراءة مصادر سياسية متابعة، هناك بعض المعطيات التي يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار لتوضيح أفق هذا الخطاب، تبدأ من غياب القرار الخارجي بالذهاب إلى هذا النوع من الصراع، وهو ما عبر عنه الموقف الأميركي من حادثة الكحّالة، الذي ذهب إلى الإشادة بدور المؤسسة العسكريّة، في حين هي كانت قد تعرضت إلى إنتقادات من قبل بعض الشخصيات المعارضة، ما يصب في إطار منع المس بالإستقرار الأمني، ولا يبدو أن التوازنات الداخلية تسمح بتكرار ما حصل في العام 2005.

بالنسبة إلى النقطة الأخيرة، توضح هذه المصادر، عبر "النشرة"، أنه في ذلك التاريخ كان هناك، بالإضافة إلى القرار الدولي الداعم، توازن محلي، نتج بعد إغتيال الحريري الأب، سمح بفتح باب معركة إخراج الجيش السوري من ​لبنان​، أما اليوم فلا يبدو أن هذا التوازن قائماً، حيث تشير إلى أن المكون الدرزي يفضل الإبتعاد عن الصراعات، أما المكون السني فحضوره السياسي تراجع كثيراً في السنوات الماضية، والإنقسام المسيحي سيد الموقف.

في ظل هذه الأجواء، تسأل المصادر نفسها عن المدى الذي من الممكن أن تذهب إليه تلك الجهات في هذا الخطاب، خصوصاً أن الجميع يدرك أن إهتمامات اللبنانيين في مكان آخر مختلف، وهي ترتكز على الهموم الإقتصاديّة والإجتماعيّة، في ظلّ الإنهيار القائم في البلاد منذ العام 2019، في حال لم تحصل تحوّلات كبرى تساعدها في ترجمته إلى خطوات عمليّة، الأمر الذي لا يبدو وجود مؤشرات عليه، على الأقل في الوقت الراهن.

أبعد من ذلك، تذهب مصادر نيابية، عبر "النشرة"، إلى إفتراض وجود القرار الخارجي والتوازنات الداخلية التي تسمح بالذهاب إلى الخطاب التصعيدي، لتسأل: "ماذا سيتحقق بعد ذلك"؟ حيث تلفت إلى أنه في العام 2005 قاد هذا الأمر إلى إخراج الجيش السوري، أما اليوم فأقصى ما يمكن توقعه هو زيادة الضغوط على "حزب الله"، التي لن تدفعه إلا إلى المزيد من التشدّد، خصوصاً أنه نجح في التأقلم معها على مستوى تحصين بيئته.

من وجهة نظر هذه المصادر، هذا الخطاب لا يخرج عن إطار الإستثمار السياسي والإعلامي، الهادف إلى تعزيز أوراق القوة لا أكثر، لكنه بالتزامن يؤكد أن ليس هناك من مؤشرات مساعدة على إنضاج تسوية في وقت قريب، وبالتالي هناك هامش لملء الوقت بالسجالات غير المناسبة، تماماً كما حصل من خلال النقاش المفتوح حول المثليّة الجنسيّة، على سبيل المثال، الذي يُدرك الجميع أنه لن يصل إلى أيّ نتيجة، وفي لحظة ما سيختفي من الواجهة.

في المحصّلة، تعود المصادر نفسها إلى التشديد على أنّ الباب الوحيد المتاح، في ظل المعطيات الراهنة، هو العودة إلى الحوار الداخلي، بدل إضاعة المزيد من الوقت، خصوصاً أن أي تسوية خارجية لن تخرج عن هذا الإطار، لكن ظروفها قد تكون أصعب، لا سيما أنها تتطلّب الإنتهاء من بعض الملفات الأخرى.