ما انفك ​النواب​ "التغييريون والمستقلون" يدفعون ثمن تشتّتهم منذ نجاحهم في الدخول الى تحت قبة البرلمان وحتى اليوم. بداية، لم يتفقوا حتى على اسم موحّد يمكن اطلاقه عليهم، ثانياً لم ينجحوا في انشاء تكتل لمواجهة النواب الآخرين "العتيقين" في مناصبهم ولا يمكن في هذا المجال التذرّع بحريّة الرأي واختلاف الآراء لان الامور الاساسية والمصيريّة لا يمكن التعاطي معها الا من باب الرؤية الموحّدة وبالاخصّ اذا كانت هناك كتل متراصّة تدعم رأياً مختلفاً، هذا هو مفهوم اللعبة الديمقراطيّة.

من هذا المنطلق، خسر هؤلاء النواب حيثيتهم وتلاشت كل الافراح التي واكبت وصولهم الى ​المجلس النيابي​ والرهان على قدرتهم احداث تغييرات ولو بسيطة تكون حجر الاساس لأيّ تغييرات كبيرة مطلوبة، مرة تلو الاخرى واستحقاقاً تلو الآخر، فكانوا كالسكر في القهوة (انما بطعم السكر الخفيف الذي لا يترك اثره). اليوم، يبدو ان الاتجاه ذاهب نحو القبول بالحوار، بدعم خارجي ومحلي، وفي المفهوم اللبناني، غالباً ما يكون الحوار محطة لتقسيم النفوذ برضى اللاعبين الاساسيين، واذا كان هناك من مشاركة للنواب "الجدد"، فلن يكون لكلمتهم وزن لانها لا تنطلق من موقع قوّة، بل من موقع ضعيف ومنقسم، ومن المرجّح ان يكونوا على ​طاولة الحوار​ لأخذ الصور و"الذوبان" في القرارات التي ستتخذ، فإذا وافقوا عليها يكونون قد انضموا من حيث لا يدرون الى النظام القائم الّذي كان يجب عليهم محاربته والعمل على تغييره، اما في حال العكس فلن يكون لمعارضتهم اي اثر او صدى، وسيكتفون بالقول انهم عارضوا ولم يوفّقوا، فيما لو كانوا متّحدين بالفعل، لكان وقع كلمتهم اقوى بكثير في الداخل والخارج، ولربما كانوا نجحوا في اجراء تعديلات ولو بسيطة على امور جوهرية.

اجواء المراقبين للوضع النيابي متشائمة من مصير هؤلاء النواب، ويعتبر المراقبون ان الحوار سيكون بمثابة رصاصة الرحمة بالنسبة الى الحالة التي خلقها هؤلاء والهالة التي احاطت بهم عند انتخابهم، وسيمضون باقي ولايتهم النيابية من دون انجازات تذكر، وهدف سهل (التعبير بالانكليزية Sitting Ducks) للقوى النافذة الحزبية التي "ستصطادهم" عند كل مناسبة وفرصة، فيما كانت الامور قد تغيرت كثيراً لو اجتمعوا على رأي وموقف واحد. وفي كل الاحوال، ما يمكن قوله انه في ظل وجود رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ ورؤساء الاحزاب والتيارات السياسية (من خلال ممثليهم في البرلمان) ومع انقسام هؤلاء بين موالاة ومعارضة، لا مكان لقلة قليلة من النواب في ابداء رأيها من دون الانضمام الى الطرف الموالي او المعارض، والا يكون الحل على غرار ما حصل في الانتخابات الرئاسيّة، ولم يفرض هؤلاء انفسهم سوى من خلال العدد المطلوب، فأقصى ما قاموا به هو اعاقة وصول احد المرشحين من دون اي قدرة على فرض او دعم مرشح للمنافسة ووضعه على الساحة بجدية للبحث باسمه.

من المؤسف ان نشهد مثل هذه النهاية المأساوية لبرلمانيين كان من الاجدى بهم التضامن والتكاتف لمواجهة قوى ترغب في الانقضاض عليهم، الا ان سياسة "فرق تسد" فعلت فعلها فتفرقوا وتسيّد اصحاب الخبرة النيابية والسياسية والحزبية، ولم يعد هناك من مجال لاجراء ايّ تغييرات، فحتى الدول الخارجيّة تبارك الحوار وكل ما يحمله من تداعيات ونتائج على الساحة اللبنانيّة في اكثر من مجال، فأين سيكون النواب "الجدد" في خضم هذه الموجة السياسية الكبيرة؟ قد نجدهم غارقين في الندم على عدم توافقهم واتفاقهم على شؤون مصيرية تهدد هويتهم ومستقبلهم النيابي، وعندها ربما يتفقون على انه قد فات الاوان ولن ينفع الندم.