على وقع الخلافات، التي برزت خلال إجتماع اللجنة الخماسية في نيويورك، بات من المسلم به لدى الأفرقاء اللبنانين اليوم أن التركيز انتقل إلى ما يمكن أن تقوم به ​قطر​ في الملف الرئاسي، بعد أن فشلت الجهود التي قامت بها ​فرنسا​، أو على الأقل تواجه العديد من العراقيل التي تحول دون قدرتها على إتمام مهمّتها بنجاح، ما دفع بالجانبين الأميركي والسعودي إلى التعبير عن إمتعاضهما من طريقة إدارتها لهذا الملف.

الدخول القطري على خط ​الإستحقاق الرئاسي​ ليس وليد الساعة، فالدوحة حاضرة على خط هذا الاستحقاق منذ أشهر، وهي سبق لها أن أوفدت أكثر من مسؤول إلى بيروت، لإستطلاع الأجواء اللبنانية، لكنها لم تبادر بالذهاب إلى أي خطوة عملية قبل ذلك، ربما بسبب الأوضاع التي كانت متوترة على المستوى الإقليمي، أما اليوم فيبدو أنها مختلفة، وبالتالي بات من الممكن لها التحرك بشكل أكبر.

ما تقدم، يدفع إلى السؤال عن الأسباب التي تدفع للإعتقاد بأن قطر تملك فرص نجاح أكبر في معالجة الملف الرئاسي أكثر من فرنسا، حيث تتحدث مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، عن مجموعة من النقاط التي تصب في صالح الدوحة، في حين هي لم تكن متوفرة لدى باريس، الأمر الذي قاد إلى إضعاف دورها في هذا المجال، وصولاً إلى حد إصطدامها بالأفرقاء اللبنانيين.

بالنسبة إلى هذه المصادر، أبرز هذه النقاط تكمن بأن قطر أقرب إلى ​أميركا​ والسعودية من فرنسا، التي كانت قد غامرت بالذهاب إلى خطوات تتطابق مع رؤية قوى الثامن من آذار، بدءاً من طرح المقايضة بين رئاستي ​الجمهورية​ والحكومة، ثم تبني معادلة الحوار الذي يسبق الإنتخاب، وهي اليوم مفوّضة من قبل الجانبين للعب دور في هذا الملف، بعد أن وجّهتا إنتقادات إلى طريقة عمل الجانب الفرنسي.

بالإضافة إلى ذلك، تلفت المصادر نفسها إلى أن الدوحة أكثر قدرة على التواصل مع ​طهران​، لا سيما بعد أن نجحت، في الفترة الماضية، بلعب دور الوسيط في الإتفاق الذي تم التوصل إليه بين أميركا وإيران، وهي تراهن اليوم أن يكون ذلك مقدمة نحو إتفاقات أخرى، في حين أن باريس كانت قد شهدت علاقاتها مع طهران سابقا، العديد من التوترات، أبرزها الإنتقادات التي وجّهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حيال الدور الإيراني في الملف اللبناني.

بالتزامن، تشير المصادر السياسية المتابعة إلى أن قطر تملك ورقة هامة لا تملكها فرنسا، تكمن بقدرتها على إغراء الأفرقاء اللبنانيين بالمساعدات الماليّة، سواء كانت للدولة أو لبعض الأفرقاء الذين لا يبادرون إلى تقديم تنازلات دون الحصول على الثمن بالمقابل، بينما باريس، إلى جانب فقدانها القدرة على التأثير المعنوي على أي من الأفرقاء، لا تملك القدرات المالية التي تسمح لها بلعب هذا الدور.

كما ترى هذه المصادر أنّ الدوحة لديها تجربة في لعب دور الوسيط في الملف اللبناني، لا سيما تلك الّتي خاضتها عام 2008، من خلال ​إتفاق الدوحة​ الذي جاء بعد أحداث السابع من أيار، وقاد إلى اتفاق واسع، يشمل ​قانون الإنتخاب​ وإنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، الأمر الذي سيحول، على الأرجح، دون وقوعها في الأخطاء التي كانت قد وقعت فيها باريس.

في المحصّلة، تعتبر المصادر نفسها أن ما ينبغي التوقف عنده هو أن قطر إختارت العمل بعيداً عن الأضواء، منذ أشهر، وبالتالي هي من حيث المبدأ جهزت الأرضية المناسبة لدخولها على الخط، لكنها لم ولن تبادر إلى أيّ خطوة عمليّة ما لم تكن متيقّنة من أن فرص نجاحها عالية، الأمر الذي قد يكون آوانه قد حان في المرحلة الراهنة، نظراً إلى التطورات الإقليمية في أكثر من ملف، لكن الأمور تبقى مرهونة بخواتيمها.