من 15 رصاصة الى 9 رصاصات، لا تزال الرسائل الموجهة الى الاميركيين عبر ​السفارة الاميركية​ في عوكر نفسها وهي تغطي نواح عديدة، في انتظار معرفة الردّ من خارج المحيط والذي من المتوقع الا يتأخر كثيراً في ظل المستجدات والتطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة بشكل عام.

من يخالط المسؤولين والضالعين في الشؤون السياسية في الصالونات، يخرج بباقة كبيرة من التحليلات والتوقعات والمعلومات ويجهد لاختصارها وجعلها اكثر قابليّة للاستيعاب نظراً الى تشعبها، وفي ما يلي ايرزها: على الصعيد الامني، اتت الرسالة مزدوجة فمن ناحية لم يقتنع الموجودون بأن المسألة على هذه البساطة لجهة كونها "رد اعتبار" لاهانة، فاستهداف سفارة اجنبية واميركية تحديداً في ​لبنان​ باطلاق النار عليها مباشرة على الرغم من كل التدابير والاجراءات الامنية العالية المتخذة، امر لا يقتصر على "ردّ فعل" او خلاف شخصي وليس امراً عابراً. فمن اين لعامل التوصيل "ديلفري" ان يملك الامكانات والمعلومات والقدرة على التخطيط والتنفيذ بهذه الدقة والانسياب من دون ان يتعرض لاي نوع من انواع الخطر؟ من الواضح ان في الامر رسالة لا تقتصر على الشقّ الامني الذي يقوّض كل العمل الذي قام به الاميركيون في اكبر سفارة متوقعة في المنطقة، والتي تحتاج الى حماية امنية عالية، وفيها تحذير من ان الاطمئنان الزائد ليس في مكانه، ويمكن الوصول الى السفارة بسهولة وسلاسة عند الحاجة الى ذلك عبر استغلال ثغرات ليس من المستحيل ايجادها كما تبيّن. الرسالة الامنيّة الثانية معاكسة، وهي ان الثقة التي توليها الدول الخارجية والغربية بشكل خاص، الى الجيش والقوى الامنيّة اللبنانيّة هي في مكانها، وان المساعدات والهبات التي تقدم الى هذه القوى للحفاظ على التماسك والاستقرار الامني وضمان عدم انفلات الامور والوصول الى الفوضى الشاملة، هو قرار صحيح وفي مكانه وقد اثبت فاعليته في اكثر من مناسبة وهذه المرة ايضاً.

على الصعيد السياسي، رأى الكثيرون ان الحادثة كانت بمثابة نداء استيقاظ للاميركيين بوجوب احداث تغيير في طريقة التعاطي مع المسألة اللبنانية، لانّ تركها على هذا المنوال لوقت طويل بعد، من شأنه ان يؤثر عليها ايضاً كما على الاوروبيين، وانه يجب الاخذ في الاعتبار ان الوصول الى الفوضى الشاملة لا يزال مطروحاً على الطاولة، وتتابع الاحداث الامنية المهمة خير دليل على ذلك، ان من خلال ازدياد نسبة الجرائم او من خلال الاشتباكات التي دارت في المخيّمات، او حتى عبر حوادث "فردية" كالتي شهدتها السفارة الاميركية في عوكر. كل هذه الاحداث كفيلة بأن تدفع الاميركيين الى الشعور بأن الوقت قد حان لتغيير المقاربة التي يتعاطون بها مع الملف اللبناني. وفي هذا السياق ايضاً، يمكن الولوج الى الموقف الاميركي من الملف الرئاسي، خصوصاً بعد كلام رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ بالامس والذي اوحى بأنه غسل يديه من هذا الاستحقاق بعد اطلاق النار على مبادرته واجهاضها قبل ان تولد، مع كل ما يعنيه ذلك من امتعاضه والاخذ في الاعتبار انتقاله الى الضفة المعارضة لكل المبادرات الاخرى -ما لم يكن راضياً عنها- وليس من حاجة للحديث عن قدرات بري في تعقيد او تسهيل المواضيع على الساحة اللبنانية.

قد يكون الاميركيون قد حصروا اهتمامهم بلبنان بمسألة الحدود وترسيمها بحرياً وبرياً، وقد انتشوا بنجاحهم في المسألة البحرية، واعتقادهم بأن الملفات الاخرى ليست بالاهمية نفسها ولا تحتاج الى هذا القدر من التركيز والمواكبة السريعة، وان تأخيرهم بالتقرب من ​ايران​ و​السعودية​ هو "ضربة معلم"، ولكنهم سرعان ما تلقوا رسالة مفادها ان طريقة تفكيرهم يشوبها نقص فادح يجب الاسراع في التعاطي معه بجدية قبل ان تتفاقم الامور. بالتالي، نعيش اليوم فترة انتظار رد الفعل الاميركي الذي شعر بأن هناك من يحاول ضربه على اليد التي توجعه، اي الفوضى في لبنان مع كل ما يعنيه ذلك من خطر اساسي على ​اسرائيل​ ومشاريع ​النفط والغاز​ والآمال الكبيرة التي يعلّقها الاسرائيليون على الازدهار الاقتصادي والمالي بفعل تطبيعهم للعلاقات مع ​الدول العربية​، والتحضير لاعتمادهم ممراً اساسياً في المنطقة لكل التحركات بين الشرق والغرب، وسيضرهم (مع الاميركيين بطبيعة الحال) رؤية كل ما تم القيام به خلال السنوات الماضية والنجاح الدقيق للخطط الموضوعة تذهب ادراج الرياح، بخسارة لبنان وتفشي كل السيئات التي تم وضعها فيه لتأكيد افشال دوره.