ليس غريباً ان يكثر الحديث عن تغييرات كبيرة ستشهدها منطقة ​الشرق الاوسط​ بعد العملية التي نفذتها حركة "حماس" واطلقت عليها اسم "طوفان الاقصى" يوم السبت الفائت، لانها بالفعل غيّرت مجرى الامور وقلبت الاوضاع رأساً على عقب. هذه التغييرات لم تقتصر فقط على المواضيع العسكرية والامنية، بل طالت ايضاً المواضيع والمسائل الدبلوماسية والسياسية، وبدأت ملامحها تظهر سريعاً بشكل واضح، ومنها ما يمكن القول انه يسير على طريق التغيير في المدى القريب.

وفي هذا المجال، يتوقع ان يكون التغيير الاساسي السريع الذي ستشهده ​اسرائيل​ طيّ صفحة رئيس الحكومة الحالي ​بنيامين نتانياهو​ وحكومته فور الانتهاء من المواجهات، لأنه كان يقف في الاصل على حفة المهوار سياسياً ويصارع من اجل البقاء، هو الذي بنى شعبيته وصورته لكونه من المتشددين والرافعين لخيار الحلول العسكرية، فإذا به يسقط في اعمق حفرة عسكرية وامنية طالت اسرائيل منذ العام 1948، وبالتالي لم يعد هناك من مكان له في اذهان الاسرائيليين الذين سيربطون صورته بـ"النكسة" التي لحقت بهم، وهذا يعني نهايته سياسياً، لتتسلم المعارضة الاسرائيليّة الوضع.

في الشق الفلسطيني، لم يعد هناك من شك ان حركة "فتح" لم تعد في مقعد السائق، وفرضت "حماس" نفسها كالطرف الوحيد الذي سيتسلم زمام الامور عسكرياً وامنياً وسياسياً، وبالتالي ستنقلب الامور ولن يعود لـ"فتح" السيطرة على الوضع السياسي، ولن يكون غريباً ان يكون الرئيس الفلسطيني الجديد من "حماس". هذا الامر من شأنه تعزيز نفوذ الدول والمنظمات التي تدعم الحركة وفي مقدمها ​ايران​ وقطر و​حزب الله​، وبالتالي فإن كلمتها ستصبح اقوى على طاولات المفاوضات والتسويات واللقاءات. وهذا ما بدأ التلميح له من قبل الاميركيين انفسهم حين حذروا طهران من توسيع رقعة المواجهات مع اسرائيل، ومنهم رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال تشارلز براون بقوله: "نريد أن نبعث برسالة قوية للغاية. لا نريد أن يتسع هذا الأمر، والمهم أن تعي إيران هذه الرسالة". وهذا ان دل على شيء، فعلى اعتراف بتنامي الدور الايراني، ناهيك عن رغبة مكشوفة في عدم اشتعال فتيل الحرب لتشمل المنطقة بأسرها، في ظلّ تأكيد اميركي على ان التدخل سيكون مماثلاً للتدخل مع اوكرانيا، اي ان الجنود الاميركيين لن يدخلوا مباشرة في المواجهات العسكرية بل سيؤمّنون المعدات والمعلومات وغيرها، والدعم المعنوي فقط.

هذه التغييرات الفورية التي بدأت تظهر، اما تلك التي ستأخذ بعض الوقت ولكنها بدأت بالفعل تطرح نفسها، فتشمل تراجع الرغبة في التطبيع بين ​الدول العربية​ واسرائيل، ومنها المملكة العربية السعودية التي ستطرح الكثير من الاسئلة قبل اكمال الطريق التي بدأتها في هذا الاطار، في ظل المتغيرات المتسارعة التي حصلت. اضافة الى ذلك، لا شك ان مسألة حل الدولتين عادت الى السطح مجدداً بعد ان كانت غارقة عميقاً في مياه الركود الاسرائيلي. صحيح ان المسألة ستتطلب وقتاً ليس بالقصير، ولكن الحركة على هذا الخط ستكون اكثر نشاطاً، فيما سيبقى القلق والخوف من النجاحات التي ستحققها اسرائيل ومن يدعمها في المجال التفاوضي، لان التجربة كانت دائماً تصب في خانة الاسرائيليين في كل عمليات التفاوض مع الفلسطينيين، غير انه قد يكون الامر مختلفاً مع "حماس" التي ستكون في الواجهة هذه المرة، بدلاً من حركة "فتح" التي تولت على مدار عقود كل ما يتعلق بالشؤون الفلسطينية. من هنا، قد نشهد جولة جديدة من الصراع الفلسطيني-الفلسطيني للتعويض عن الاخفاقات العسكرية التي منيت بها اسرائيل، وكسب اكبر قدر ممكن من الاوراق في المفاوضات المرتقبة، وسط صراع على النفوذ سيطال ايضاً دولاً اقليمية معنية مباشرة في هذا المسار.

تغييرات كثيرة سنشهدها، على امل الا تكون نهايتها، كما يحصل دائماً، على حساب الفلسطينيين والعرب الذين لم يعرفوا يوماً انتهاز الفرص التي تسنح لهم، فيضيعونها من اجل المصالح والمكاسب الموقتة.