على الرغم من أن الملف الرئاسي مجمد منذ بدء عمليات "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول الحالي، إلا أن الكثير من علامات الإستفهام بدأت توضع حول إمكانية أن تستمر باريس في مبادرتها، في ظلّ المواقف المنحازة إلى الجانب ال​إسرائيل​ي التي أعلنها الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​، خلال زيارته إلى ​تل أبيب​.

في تلك المواقف، كان من الواضح أن باريس قررت الخروج من دائرة مواقفها السابقة، التي كانت تقترب من الحيادية نوعاً ما، خصوصاً بعد أن بادر ماكرون إلى الدعوة إلى تشكيل تحالف دولي لمحاربة حركة "حماس"، الأمر الذي لم تذهب إليه واشنطن نفسها بالرغم من كل مواقفها الداعمة لإسرائيل، مع العلم أنها لعبت أيضاً دوراً بارزاً، في سياق التحذيرات والتهديدات التي كانت تنقل إلى ​لبنان​، في الأيام الماضية، من الدخول على خط المواجهة الحالية.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنه من الطبيعي أن يؤثر الموقف الفرنسي من الحرب في غزّة على دورها في لبنان، لا سيما أنها كانت تطمح إلى لعب دور أساسي في هذه الساحة، الأمر الذي لا يمكن أن يحصل من دون موافقة "​حزب الله​"، وهو ما يبرر حرصها، طوال الأشهر الماضية، على التنسيق معه في كل ما تقدمه من طروحات على المستوى المحلي.

بالنسبة إلى هذه المصادر، الدور الفرنسي في لبنان كان في الأصل قد تعرض إلى "نكسة"، في الفترة الماضية، وبالتالي لم يكن يحتاج إلى هذا التصعيد من قبل الرئيس الفرنسي، خصوصاً أنه سيكون له تداعيات على مستوى التعامل معها من قبل مجموعة واسعة من الأفرقاء السياسيين المحليين.

من وجهة نظر المصادر نفسها، باريس، من خلال طروحاتها اللبنانية، كانت قد أثارت نقمة القوى التي وقفت في وجه المقايضة الرئاسيّة التي طرحتها، بينما هي اليوم تثير إمتعاض باقي القوى التي كانت تنسق معها، ما يعني تكرار الأخطاء نفسها التي تعكس أزمة فعلية على مستوى سياساتها الخارجية، إلى جانب عدم وضوح الدور الذي تريد أن تلعبه على مستوى المنطقة.

في الجهة المقابلة، لدى أوساط نيابية مطلعة قراءة مختلفة ترى ضرورة الفصل بين المسارين، أي الموقف الفرنسي من الأوضاع في غزة بعد العملية التي نفذتها "حماس" والموقف الفرنسي من الملف الرئاسي اللبناني، لكنها في المقابل تؤكد وجود عدم وضوح في الرؤية لدى باريس تجاه أحداث المنطقة، نظراً إلى أن ماكرون كان من الممكن أن يذهب إلى مواقف أقل حدة.

على هذا الصعيد، تلفت هذه المصادر إلى أنه من حيث المبدأ هناك العديد من النقاط، التي كان من المفترض أن تؤخذ بعين الإعتبار، منها أن مثل هذه المواقف قد تقود إلى تحركات في الشارع الفرنسي، ماكرون بكل تأكيد بغنى عنها خصوصاً إذا ما كانت ستنسحب إلى توترات أمنية، إلى جانب التداعيات التي من الممكن أن تتركها على علاقات بلاده مع العديد من الدول الأوروبية، لا سيما أنها تعاكس التوجه الفرنسي التاريخي.

في المحصّلة، تشير المصادر نفسها إلى نقطة بالغة الأهميّة، تكمن بأن الرئيس الفرنسي تجاهل أنّ ما يطرحه، لا سيما بالنسبة إلى تشكيل تحالف دولي لمحاربة "حماس"، ينبغي أن يأخذ بعين الإعتبار مشاركة بلاده الفاعلة في القوّات الدولية العاملة في جنوب لبنان "​اليونيفيل​"، خصوصاً أنّ أيّ تطور من هذا النوع قد يكون من الخطوط الحمراء التي تقود إلى مواجهة إقليميّة شاملة، بالرغم من أنّها تعتبر هذا الأمر غير وارد، في ظل الموقف الأميركي الرافض لهذا التوجه.