بعد ان طوت الايام شهرها الاول على عملية "طوفان الاقصى"، وما خلفته من نتائج كارثيّة على الفلسطينيين المدنيين ودمار كبير لحق بغزة و"اذلال" لافت التصق بال​اسرائيل​يين لعقود من الزمن، وبعد ان بلغ الاجرام الاسرائيلي ذروته ولم تعد حتى بعض الجاليات اليهوديّة في الخارج قادرة على تقبّله، يبدو ان ملامح الحل بدأت ترتسم في انتظار الاعلان عن موعد التنفيذ.

من الطبيعي ان يكون الاميركيون ابطال هذه العمليّة، فهم قادوا جهوداً دبلوماسية مضنية، للوصول الى هذه المرحلة، بعد ان نجحوا في تفعيل وتثمير الاتصالات التي قاموا بها عبر الترغيب والترهيب لارضاء اسرائيل من جهة، و​ايران​ وبعض الدول الاقليمّية والدوليّة من جهة ثانية، انما على حساب الانسانيّة التي ادارت ظهرها للغزاويين على مدى شهر تاركة المعاناة والموت يسرحان ويمرحان في ارجاء هذه البقعة الجغرافية الصغيرة.

اليوم، يبدو ان نافذة السماح لاسرائيل بدأت تضيق، ومن الممكن ان يكون العدّ العكسي لانهاء المسألة قد وصل الى نهايته، ووفق ما يقوله متابعون لاجواء الاتصالات والمعلومات المتداولة على الصعيد الدبلوماسي، اضافة الى ما يصدر عن كبار المسؤولين المعنيين، فإنّ الحلّ الاقرب سيكون من خلال وقف الوضع على ما هو عليه حالياً، ايّ ارضاء اسرائيل بـ"قضم" جزء يسير من غزّة بعد ان تمّ الاعلان عملياً عن تقسيمها الى شمال وجنوب، وانهاء وضع الأسرى بمفاوضات ترضي الطرفين، ناهيك عن العمل على تحويل حركة "حماس" الى حركة سيّاسية تعود الى ما كانت عليه ايام التحالف مع حركة "فتح".

قد يعتبر البعض ان ما يقال مجرد احلام، في ظل السقوف العالية التي وضعتها كل من "حماس" واسرائيل فاعتبرت الاولى ان نهاية الكيان الاسرائيلي بات قريباً، فيما اكدت الثانية ان القضاء على "حماس" اصبح في متناول اليد اخيراً، الا ان اياً من الهدفين لن يتحقق، وهذا ما ظهر بوضوح خلال الايام الماضية.

وعلى الرغم من ان الجميع يؤكد بما لا يقبل الشك ان انتهاء الحرب سيحمل معه نهاية الحياة السياسية لرئيس الوزراء الاسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​، الا انّ ما قاله بالامس، كان بمثابة الخطوط العريضة للحلّ المنشود، اذ كشف انّ عودة الاسرى سينهي القصف، كما انه سيتسنى لاسرائيل السيطرة الامنيّة على غزّة لسنوات. ومن السهل تحقيق القسم الاول عبر المفاوضات، وقد قطعت قطر على ما يبدو شوطاً كبيراً في هذا المجال، اما القسم الثاني فهو اكثر صعوبة لانه لن يمكّن اسرائيل من إحكام قبضتها الامنيّة بشكل كلّي على القطاع، وهذا يعني ان الاسرائيليين لن ينعموا بالهدوء في هذه البقعة، وستتكرّر مشاهد المواجهات المحدودة والاستفزازات والنزاعات الاسبوعيّة التي كان يشهدها العالم كلّه من دون ان يحرّك ساكناً.

ولكن المشكلة الحقيقيّة تبقى في موضوع الدولتين الذي بات على الطاولة، وكيفية البدء بعناصر تحقيقه، اضافة الى مسألة المستوطنات التي اصبحت عبئاً على الاسرائيلي بعد ان كانت حلاً بالنسبة اليه لاقامة دولة يهودية والسيطرة اكثر فأكثر على الارض الفلسطينية، اذ لم يعد من المنطقي ولا من السهل اقامة مثل هذه المستوطنات واقناع الاسرائيليين بالسكن فيها لانّها تحمل نسبة كبيرة من الخطر، بعد الاقتحامات التي تعرضت لها من "حماس" وخطر الاصابة بالصواريخ من قبل الفلسطينيين و​حزب الله​ بحيث اخليت المستوطنات على الحدود مع لبنان بشكل تام. وعليه، لا يزال البحث في التفاصيل هو السبب الاكثر ترجيحاً لتأخير وضع الحل موضع التنفيذ، ولكن ليس من المفترض ان تطول الامور كثيراً في هذا المجال، فالجميع بات على قناعة بأن استمرار ما يحصل على حاله لن يعود بالفائدة على احد، لا على اسرائيل ولا على الفلسطينيين ولا على ​الولايات المتحدة​ والاوروبيين ولا على ايران وروسيا والصين ولا على ​الدول العربية​ التي تتعرض لضغوط كبيرة جداً من قبل شعوبها.