سمعت ابنتي، التي تدرس الحقوق في جامعة الحكمة العريقة، تتحدث مع زميلة لها، عن مادة الـInternational law، وقد نعتتاه بعبارة: كذبة كبيرة. هذا نتيجة ما يشاهدونه من مجازر تُرتكب بحق الأبرياء في غزّة خصوصًا، وفلسطين عمومًا، ولا من رقيب أو حسيب، والقانون الدولي يطبّق "غبّ الطلب"، في غزّة والعالم أجمع.

عقب الحرب العالمية الثانية، بدأت سلسلة من الإعلانات والعهود تحدّد حقوق الإنسان العالمية.

وفي كانون الأوّل من العام 1948، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد ساهم الدكتور شارل مالك، رحمه الله، في وضعها. ومن بنود الحقوق المدنية والسياسية في سياق هذه الشرعة: "الحق في الحياة". هذا فضلًا عن اتفاقية حقوق الطفل، التي أتت لاحقّا في العام 1989.

مع إسرائيل والولايات المتحدة، باتت حقوق الإنسان، والقوانين العالميّة، وحقوق الطفل، في مهبّ الريح، نتيجة غطرستهما وعدم وجود رادع لهما.

لو أن جريمة عالميّة واحدة تمّ التعامل معها، من قبل المجتمع الدولي، بحزم ومصداقية وعدالة، لما تجاسرت اسرائيل على جرائمها اليوم، ومن خلفها الداعم الأول اميركا، ودول الغرب، التي تدّعي الحضارة، والحضارة منهم براء.

إن القوانين الدولية التي يتعلّمها طلاب الحقوق، كذبة موصوفة بامتياز، هذه خلاصة حوار بين ابنتي وزميلتها. حتّى الذين يدرّسون هذه المادة غير مقتنعين بجدواها، في ظل دول عظمى تتحكم بمجريات الأمور، وتستخدم حق النقض والمعروف بـ حق الفيتو، وهو في واقع الأمر "حق إجهاض" للقرارات وليس مجرد اعتراض. يقول النقّاد إن حقّ النقض هو أكثر العناصر غير الديمقراطية في ميثاق الأمم المتّحدة، وهذا ما نشهده اليوم من هيمنة اميركية لمصلحة إسرائيل، والأطفال يدفعون الثمن غاليًا، فباتت حقوق الطفل مع الصهاينة حبرًا على ورق، حرمتهم من أبسط حقوقهم، أي الحياة، ولا يمكن إصدار اي قرار أممي في حق اسرائيل، لوجود ال veto الأميركي.

إن الإجرام العالمي ليس له رادعٌ، ويتم محاسبته وفق مزاجية ومصالح الدول الكبرى. ونعود ونسأل: أين القانون الدولي؟ إنّه فقط في ضمير الشعوب الحيّة، التي ستحاسب المسؤولين عندها على ما يقترفونه من مجازر ومصائب عالمية. فهمّ العدالة الحقّ وهم القاضي، وهو المحكمة الدوليّة، ولا آخر سواهم. وقد سمعت من أحد الأصدقاء في أميركا، يقول لي وبالفم الملآن، إنه لن يصوّت للرئيس الأميركي جو بايدن وحزبه في الانتخابات المقبلة، نتيجة تغاضيهم عن هذا الإجرام الذي ترتكبه اسرائيل بحق الفلسطينيين وتدعم بربريّتها.

القوانين وضعت لحماية الناس من الشرّ ومن الإجرام، القوانين وضعت لكي تطبّق، لا أن تغيّب. على هامش هذه الأسطر، ألسنا في وطننا نعيش غيابا فاضحًا في تنفيذ القوانين، حيث جرائم كثيرة وقعت ولم يتجاسر قاضٍ على النطق بالحكم وبالحقيقة وكشف المستور، والادّعاء على المجرمين والمقترفين، ولا سيّما الجرائم ذات الطابع السياسي، خوفًا على حياته وحياة عائلته، وأبرز مثال جرائم الاغتيالات، وحديثًا جريمة المرفأ، التي لحينه يتقاذفها العدل، الذي لم يعد، للأسف، "أساس الملك". هناك قضاة نزيهون لكن لا قضاء نزيه، القضاء استنسابي، "صيف وشتا عا فرد سطح"، على رجاء أن يعود العدل في لبنان والعالم "أساس الملك".

لم يبقَ لنا إيمان إلا بعدالة السماء، تبقى عدالة السماء أقوى من عدالة الأرض، فيا رب أظهر عدالتك "ولَا تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ ٱلشِّرِّيرِ"، آمين.