منذ ما قبل بداية العام الحالي، تضج الأوساط السياسية اللبنانية بالحديث المتكرر عن إحتمال تحريك الملف الرئاسي من جديد، على قاعدة الحاجة إلى إنتخاب الرئيس المقبل بأسرع وقت ممكن، ربطاً بإرتفاع مستوى المخاطر، بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على ​قطاع غزة​ وتداعياته على الجبهة الجنوبية، على مستوى المنطقة بشكل عام ولبنان بشكل خاص، لكن حتى الآن لا يبدو أن هناك أي فرصة، للوصول إلى النتائج الإيجابيّة في وقت قريب.

في هذا السياق، ساهمت عملية إغتيال القيادي في حركة "حماس" صالح العاروري، الأسبوع الماضي، في تعقيد المشهد أكثر، نظراً إلى أنّ الإهتمام عاد إلى الملفّ الأمني بشكل أكبر، في ظلّ المخاوف من أن تقود إلى توسيع رقعة المواجهات العسكريّة جنوباً، خصوصاً بعد تزايد الحديث الإسرائيلي عن إمكانية الذهاب إلى شنّ عدوان على لبنان.

في هذا الإطار، تشير مصادر معنية، عبر "النشرة"، إلى أنّه حتى الساعة لا يزال الجميع يترقّب ما قد يحصل على الساحة الجنوبيّة، خصوصاً أن الإتصالات الدبلوماسية تركز على هذا الملفّ دون سواه، خوفاً من التداعيات التي قد تترتب على إحتمال الذهاب إلى المواجهة المفتوحة، على قاعدة أنّ المطلوب، في المرحلة الحالية، منع حصول ذلك، قبل البحث بأي ملف آخر يتعلق بالواقع السياسي في لبنان.

وتلفت هذه المصادر إلى أنه، بالإضافة إلى ما تقدم، ليس هناك عملياً لدى الجهات الدولية أي مبادرة جديدة من الممكن الرهان عليها، بالرغم من المعلومات عن زيارة من المفترض أن يقوم بها المبعوث الرئاسي الفرنسي ​جان إيف لودريان​ إلى بيروت في وقت قريب، حيث توضح أن كل ما يطرح، بين الحين والآخر، يصب في إطار العموميات، التي تحث الأفرقاء المحليين على الوصول إلى حلّ ما، الأمر الذي يعود إلى إنشغال الجميع بالأوضاع في فلسطين المحتلة.

وسط هذه الأجواء، كان البعض في الداخل يراهن على إمكانيّة حصول مبادرة ما، بعد امرار قانون التمديد لقادة الأجهزة الأمنية، من رتبة لواء وعماد، في المجلس النيابي، الذي كان الهدف الفعلي منه تمديد ولاية قائد الجيش ​العماد جوزاف عون​، خصوصاً أن حزب "القوات اللبنانية" طرح فكرة التوافق مع رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​، على الآلية نفسها التي اعتمدت في هذا المجال.

على هذا الصعيد، لم يتأخر رئيس المجلس النيابي في التأكيد أن ليس في جعبته أي مبادرة جديدة، بينما نقل عن أوساطه أنّ المبادرة الوحيدة هي أن يوافق رئيس "التيار الوطني الحر" ​جبران باسيل​ على التصويت لصالح رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​، الأمر الذي تعتبر المصادر المعنيّة أنه يعكس حالة المراوحة القائمة منذ تاريخ دخول البلاد الشغور الرئاسي، على قاعدة أنّ موقف باسيل معروف، في حين أن تبدله لا يعني القدرة على إنتخاب فرنجية رئيساً.

في هذا المجال، ترى هذه المصادر أنّه حتى لو وافق رئيس "التيار الوطني الحر" على هذه "المبادرة"، من الصعب أن يتم ترجمتها عملياً في المجلس النيابي، على قاعدة أن الأفرقاء الآخرين لن يتأخروا في منع حصول ذلك من خلال إستخدام ورقة النصاب، ما يعني العودة إلى المربع الأول، الذي يتطلب الخروج منه إقتناع الجميع بحتمية التوافق لإنجاز ​الإستحقاق الرئاسي​، خصوصاً أنّ هذا الأمر يرتبط بتوافق آخر، لا يزال مفقوداً، على المستوى الخارجي.

في المحصّلة، تشدّد المصادر نفسها على أنّ عملية "طوفان الأقصى" أفرزت واقعاً جديداً على مستوى المنطقة، قاد إلى تأجيل البحث في مختلف الملفات العالقة، من ضمنها الملف اللبناني، وتؤكد أن الخروج من هذا الواقع لا يمكن أن يكون قبل وضوح الصورة، التي ستكون المنطقة بعد إنتهاء الحرب، خصوصاً أن لبنان بات جزءاً منها.