في الأيام الماضية، طُرحت أسئلة حول الرؤية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، نظراً إلى أنها في الوقت الذي أرسلت موفديها، وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الرئيس لشؤون الطاقة اموس هوكشتاين، لمنع التصعيد على الجبهة اللبنانية وحصر العمليات العسكرية في قطاع غزة، بادرت، بالإشتراك مع بريطانيا، إلى توجيه ضربة عسكرية لحركة "أنصار الله" اليمنية، من المتوقع أن يتم الرد عليها من قبل الحركة، ما يعني فتح أبواب التصعيد عبر منطقة البحر الأحمر.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية، عبر "النشرة"، إلى أن مقاربة الرؤية الأميركية يجب أن تنطلق من معطيين أساسيين: الأول هو أنها لا تريد توسيع رقعة العمليات العسكرية القائمة في جنوب لبنان وقطاع غزة، نظراً إلى أن هذا الأمر قد يقودها إلى التدخل في المعركة، وهو ما لا تريده في هذه المرحلة، بسبب التداعيات التي من الممكن أن تترتب على ذلك، أما الثاني فهو رغبتها في الحفاظ على صورتها على المستوى العالمي، إنطلاقاً من منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً أنها على أبواب صراعات في أماكن أخرى من العالم.

بالنسبة إلى المهمة الأولى، تلفت المصادر نفسها إلى أن واشنطن في مأزق حقيقي، نظراً إلى أن تل أبيب، حتى الآن، لا تتجاوب مع مطالبها، بالنسبة إلى الإنتقال إلى المرحلة الثالثة من العمليات العسكرية في غزة، الأمر الذي لا يمكن فصله عن الخلافات الداخلية القائمة في إسرائيل، وهو ما يبرر التسريبات التي تحدثت عن علاقة متوترة، بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامن نتانياهو، التي من المرجح أن يكون الهدف منها زيادة الضغط على الأخير.

في المقابل، توضح هذه المصادر، ان القوى الأخرى لا يبدو أنها في وارد التراجع في الوقت الراهن، بدليل موقف "حزب الله" من الطروحات التي حملها هوكشتاين إلى بيروت الأسبوع الماضي، حيث تم التأكيد على المعادلة، التي كانت معروفة مسبقاً، أي رفض التفاوض على أي إطار يتعلق بالجبهة الجنوبية قبل وقف إطلاق النار في غزة، مع التشديد على أن الحزب جاهز لكافة السيناريوهات.

من وجهة نظر المصادر السياسية المتابعة، هذا الواقع، في ظل الضغوط التي تتعرض لها الحكومة الإسرائيلية على المستوى الداخلي، لا سيما المخاوف التي لدى سكان المستوطنات الشمالية، تحافظ على إحتمالات الذهاب إلى المواجهة المفتوحة على الجبهة الجنوبية، حيث لم تتردد تل أبيب، في الأيام الماضية، من توسيع رقعة الضربات التي توجهها، الأمر الذي يبادر "حزب الله"، في كل مرة، إلى الرد عليها، ما يعني أن هامش الخطأ غير المقصود كبير جداً.

أما بالنسبة إلى المهمة الثانية، تشير المصادر نفسها إلى أن الولايات المتحدة بحاجة إلى فرض معادلة ردعية مع حركة "أنصار الله"، ليس فقط بسبب الحرب القائمة في غزة بل أيضاً بسبب صورتها على المستوى العالمي، نظراً إلى أن ما تقوم به الحركة، إلى جانب ما حصل خلال عملية "طوفان الأقصى"، يوحي بأنها غير قادرة على حماية حلفائها.

في المحصلة، تلفت هذه المصادر إلى أن هذا الواقع قد ينعكس على موقف حلفاء آخرين في مناطق أخرى، بينما الموجودون في المنطقة يعانون من هذا الواقع منذ سنوات، ما دفعهم إلى البحث عن خيارات بديلة، أبرزها تعزيز العلاقات مع كل من روسيا والصين، وتضيف: "في الوقت الذي تريد واشنطن الذهاب إلى مواجهة مع الصين، فإن الكثير من الأسئلة من المفترض أن تطرح من قبل حلفائها هناك، لا سيما بعد تجربة الحرب في أوكرانيا".