منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تُطرح الأسئلة حول الواقع على الساحة السنية في لبنان، خصوصاً في ظل غياب القيادة السياسية الفاعلة، نتيجة قرار رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الإبتعاد عن المشهد السياسي، حيث كثر الحديث عن أن هذه الساحة باتت مشرعة أمام دخول قوى جديدة، لا سيما في ظل التعاطف الكبير مع حركة "حماس"، الذي ظهر في أكثر من مناسبة.

في هذا المجال، كان قد برز الدور العسكري الذي تمارسه "الجماعة الإسلامية" في الجنوب، إنطلاقاً من تواجدها التاريخي في العديد من البلدات الحدوديّة، الأمر الذي أثار علامات إستفهام من قبل العديد من القوى والشخصيات الأخرى، من دون تجاهل عامل التكامل مع حركة "حماس"، لا سيما أن عملية إغتيال القيادي في الحركة صالح العاروري، كشفت عن تداخل كبير بين الجانبين، حيث سقط أعضاء من الجماعة معه.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنه منذ لحظة غياب الحريري، كان الحديث الدائم حول مستقبل هذه الساحة والجهات التي من الممكن أن تستفيد من الأمر، وهو ما قاد، في الإنتخابات النيابية الماضية في العام 2022، إلى عودة بروز الزعامات المحلّية، التي كانت قد تراجعت في الفترة التي تلت إغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري في العام 2005.

على الرغم من ذلك، توضح المصادر نفسها أن أياً من تلك الزعامات لم تنجح في توسيع رقعة نفوذها أو حضورها إلى أماكن أخرى، في حين أنّ بعض الشخصيات، التي كانت طامحة إلى لعب مثل هذا الدور على المستوى العام، لم تنجح أيضاً في تحقيق هذا الهدف، الأمر الذي كان ينعكس على دور الطائفة في العديد من المناسبات، خصوصاً عند طرح التوازنات المتعلقة بالإستحقاق الرئاسي.

العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أعاد هذا النقاش إلى بدايته، سواء داخل الطائفة نفسها أو خارجها، حيث هناك من يعرب عن مخاوفه من تحول كبير قد تشهده هذه الساحة، في الفترة المقبلة، الأمر الذي من الطبيعي أن يكون له تداعياته على التوازنات في البلاد، في حين سيكون "حزب الله" هو المستفيد الأول من ذلك.

على هذا الصعيد، تلفت المصادر السياسية المتابعة إلى أنّ المواقف التي يعبر عنها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تزيد من هذه المخاوف، لا سيما أنها توحي بقربه إلى وجهة نظر قوى الثامن من آذار من التطورات، خصوصاً بعد أن أعلن، في جلسة مجلس الوزراء الماضية، أن الحديث عن تهدئة في لبنان فقط دون وقف سريع لإطلاق النار في غزة "أمر غير منطقي"، الأمر الذي تؤكد أنه جو عام داخل الطائفة لا يمكن التغاضي عنه بأيّ شكل من الأشكال.

من وجهة نظر هذه المصادر، التعاطف الحالي مع "حماس" أمر طبيعي، خصوصاً أن هذه الساحة تعتبر نفسها تاريخياً معنيّة بالشأن الفلسطيني، لكن القلق الحالي يعود إلى غياب القيادة القادرة على تأطير هذا التعاطف، وهو ما قد يقود إلى تحول كبير في المستقبل، خصوصاً إذا ما تم العمل على تعزيزه، مع العلم أن مواجهة هذه الحالة، في الوقت الراهن، لن تكون مجدية أو مطلوبة، نظراً إلى أنه قد يكون لها نتائج عكسية، حتى ولو كان البعض يضع كل ما يحصل في خدمة الأجندة الإيرانية.

في المحصّلة، تعتبر المصادر نفسها أن هناك مسؤولية كبيرة على المملكة العربية السعودية، من أجل مواكبة ما يحصل على أرض الواقع، على إعتبار أن حالة الفراغ الحالية تضر، بشكل أو بآخر، بمصالحها، الأمر الذي قد يبرر الحديث عن إعادة وضعها الملف اللبناني على قائمة الأولويات، وتضيف: "الطبيعة تكره الفراغ، ومن الطبيعي أن يكون هناك من يسعى إلى الإستفادة من ذلك".