أعادت أحداث الأيام الماضية في سوريا، الكثير من الأسئلة حول الدور العربي المُفترض في المشرق العربي إلى الواجهة من جديد، خصوصاً في ظل الحديث المتكرر عن هذا الدور، لا بل حتى مطالبة دول هذه المنطقة، بشكل متكرر، بالعودة إلى ما بات يُعرف بـ"الحضن العربي"، لكن هل هذا "الحضن" موجود من الناحية العملية، أو من الممكن الرهان عليه؟.

لا تزال معظم الدول العربية الفاعلة، مُصرة على تقديم مختلف أشكال الدعم للسلطة الجديدة في دمشق، بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، متجاهلة كل ما يحصل على أرض الواقع من إنتهاكات بحق مختلف المكونات السورية، حيث ترى أن الأولوية، التي تُعبر عنها في مواقفها الرسمية، هي الحفاظ على وحدة البلاد، من دون أن تأخذ بعين الإعتبار أن ما تقوم به هذه السلطة يقضي على أي أمل بذلك.

هنا، قد يكون من الطبيعي أن تبادر تركيا إلى تقديم مختلف أشكال الدعم إلى الشرع، على إعتبار أنه الورقة التي راهنت عليها، منذ اليوم الأول، من أجل حماية مصالحها، وبالتالي هي، في حال لم ينجح في الحفاظ على سطلته على كامل البلاد، من الممكن أن تضمن نفوذها على ما يهمها من الأراضي السورية، لكن في المقابل لا يمكن أن تكون الدول العربية، تحديداً الخليجية منها، في الموقف نفسه.

منذ سقط النظام السوري السابق، عملت السلطة الجديدة، بتشجيع واضح من أنقرة، على الإنفتاح على الدول الخليجية، نظراً إلى أنها البوابة التي من الممكن أن تساعدها في الإنقتاح على الغرب، وهو ما تحقق بشكل كبير من خلال رعاية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لقاء رئيسها مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلا أنها، في المقابل، لم تبادر إلى أي خطوة من الممكن أن تقود إلى معالجة الأزمات الداخلية.

بناء على ذلك، كان من الطبيعي أن يبرز الدور الإسرائيلي بشكل أكبر، حيث لم تتأخر تل أبيب في تقديم نفسها كـ"منقذ للدروز"، في حين لا تزال مطالب العلويين بالحماية الدولية حاضرة، بينما تعجز السلطة السورية، بسبب الموقف التركي، عن الوصول إلى إتفاق حقيقي مع الأكراد، ليأتي السؤال الجوهري عن الأسباب التي تمنع الدول العربية من ان تكون المبادرة، خصوصاً أنها تملك الكثير من أوراق الضغط على الشرع، بدل التفرج على صراع النفوذ الذي يكبر بين أنقرة وتل أبيب؟.

هذا الصراع، الذي تسعى الولايات المتحدة إلى رعايته أو ضبطه بشكل أو بآخر، من الممكن أن تدخل عليه العديد من القوى الإقليمية والدولية الأخرى، إلا أن الأهم هو أنه، في ظل ما تقوم به سلطة الشرع، يدفع العديد من المكونات السورية إلى "الحضن" الإسرائيلي، على إعتبار أن "الحضن" العربي في مكان آخر، من الممكن الحديث، بالحد الأدنى، عن أنه يغطي من يرتكب المجازر والإنتهاكات بحقهم، ما يعني عدم القدرة على التعويل عليه.

الواقع في سوريا ليس حالة فريدة من نوعها، حيث من الممكن التطرق إلى الواقع في لبنان أيضاً، حيث يغيب أي موقف من الممكن الرهان عليه، نظراً إلى أن الدول العربية إختارت أن تكون خلف ما تطرحه الولايات المتحدة، التي تدعم إسرائيل بشكل مطلق، من مطالب، في حين أن أغلبها لم يعد يصدر بيانات إدانة، على الأقل، لما تقوم به تل أبيب من خروقات لإتفاق وقف إطلاق النار، على عكس ما هو الحال بعد كل إعتداء على سوريا، في حين أن غياب الدور في فلسطين لا يحتاج إلى الكثير من الشرح.

في المحصلة، قبل إطلاق دعوات العودة إلى "الحضن" العربي، من المفترض أن يكون هذا "الحضن" حاضراً، من الناحية العملية، على أرض الواقع، ثم يحدد الأهداف التي يريدها بشكل واضح، بدل أن يعلن مبادئ عامة يتصرف عكسها، من دون يتجاهل أن إسرائيل تسعى إلى تقديم نفسها، في الوقت الراهن، كـ"حاضن" لفئات واسعة من أبناء هذه المنطقة، الذين يجدون أنفسهم أمام أخطاء وجودية.