لم تستطع السنوات الطويلة أن تنسي عائلات أهالي المخفيين قسرا في السجون السورية غياب أبنائهم أو أن تشفي لهم أوجاعهم، فهم يريدون معرفة مصيرهم، أحياء كانوا أم أمواتا. ومعاناة ذوي عبدالله اسماعيل حمودة تشبه إلى حدّ كبير معاناة العديد من أهالي المفقودين الذين اختطف أبناؤهم على يد أحزاب لبنانية ثم سُلّموا إلى المخابرات السورية.

فعبدالله خطف في العام 1986 من منطقة الكولا عندما كان يبلغ من العمر 20 عاما. كان يومها يقوم بزيارة جدته، حيث ظهرت سيارة تحمل علمًا أحمر اللون، واقتادته معها دون أن يكون بداخلها مسلّحون.

عبدالله قال يومها لجدته: "رايحين شهر على الجبل ومن بعدا منسافر على ألمانيا". ومرّ شهر، ثمّ 27 عاما ولم يعد عبدالله. لم تترك عائلة حمودة مسؤولا أو حزبا أو منطقة إلا وقصدته للسؤال عن عبدالله، إلا أنّ أحدا لم يعترف بوجود عبدالله عنده. أكثر من ذلك، يوم سألت جدة عبدالله عنه أحد مسؤولي الجبل، كان يومها الجواب: "عن مين عم تسألي؟ فاتك القطار"، مع العلم أن من كان مع عبدالله في السيارة يوم اختفائه لم يعودوا، ومن عاد منهم رفض الحديث عما جرى معهم بسبب الخوف.

لم تجد والدة عبدالله حلاًّ، بعد كل محاولاتها الفاشلة للعثور على ابنها في لبنان، إلا بزيارة سوريا علها تجد هناك ما يشفي غليلها، بعد المعلومات عن نقل كل الأحزاب اللبنانية معتقليهم إلى السجون السورية. يومها لم تكن الوالدة تعيش في لبنان، بل كانت تذهب من ألمانيا، حيث كانت تعيش مع عائلتها، ولا تزال حتى اليوم، إلى سوريا بغية معرفة أخبار عنه. من التقتهم أم عبدالله في سوريا، بعد زيارات متكررة إلى هناك، أكدوا لها وجود ابنها في سوريا، وطالبوها بمبلغ من المال مقابل السماح لها برؤيته، فلبّت الطلب، قبل أن تصبح بدورها ضحيّة الخطف والأسر، وتقبع في السجون السورية 10 أيام تعرضت خلالها للضرب، قبل أن يقوم ضابط سوري بتهريبها، طالبا منها عدم العودة مجددا إلى سوريا، وإلا فهي لن تعود حيّة إلى لبنان.

توقّفت الوالدة عن زيارة سوريا، ولكنّها بقيت تنتظر دائما قوافل المعتقلين السوريين الذين كانت تفرج عنهم السلطات السورية، علها تجد نجلها بينهم. وفي ظلّ تضارب المعلومات حول ظروف اختفاء عبدالله ومكان وجوده بعد مرور هذه السنوات، تبدي عائلته عتبا كبيرا على الدولة اللبنانية التي لم تسأل عن مواطنيها ولم تتابع قضية أكثر من 600 مخفي قسرا في السجون السورية.

ودعت العائلة السلطات، ولو متأخرة، إلى الضرب بيد من حديد وحسم هذا الموضوع. فهل تلقى نداءات عائلة حمودة، وكثيرة غيرها من العائلات، صدى لدى الدولة اللبنانية، التي تواطأ عدد كبير من مسؤوليها وأحزابها مع السلطات السورية وقتذاك في هذه الجريمة الإنسانية التي لم توفّر قساوتها منزلا أو عائلة لبنانية؟

هذا الموضوع هو الجزء السابع من ملف خاص فتحته "النشرة" تحت عنوان "مفقودون ومخطوفون: جرح لبنان النازف في سوريا منذ سنوات طويلة".

الأجزاء السابقة:

الجزء الأول -بين الإخفاء القسري والإعتقال: هل تضيع قضية اللبنانيين المفقودين في سوريا؟

الجزء الثاني -المعارضة السورية تعد بإطلاق سراح اللبنانيين في السجون السورية والأهالي يتحفظون (2)

الجزء الثالث -أحمد حسن بشاشة: لبنانيّ مخفيّ في سوريا بين أمل العودة ومرارة الواقع (3)

الجزء الرابع -بين الحياة والموت وبين لبنان وسوريا: أحمد علي أحمد مخفي منذ الـ1982 (4)

الجزء الخامس -حسن أحمد شعيب قاتَل سوريا عام 1976 ويسكن سجونها منذ 37 عاما! (5)

الجزء السادس -داوود يوسف لحود.. مفقود التكاذب ومصالح الأحزاب مع سوريا (6)