لعلها المرة الأولى لا يصطف مسيحيو "تحالف السياديين" من أجل مكاسب وحصص بل في سبيل مبدأ. سمير جعجع (مع حفظ الألقاب) ذاهب إلى الآخر في معارضة دخول حكومة مع "حزب الله" لا تلتزم الاتفاقات السابقة وقرارات الشرعية الدولية، وها هو حزب الكتائب يحدد شروط المشاركة بموقف حازم لسامي الجميل، ومثله حزب الأحرار دوري شمعون، والكتلة الوطنية كارلوس إده، والمستقلون بطرس حرب وميشال معوّض ورفاقهما والأمانة العامة لـ14 آذار التي انحازت ضد فكرة المشاركة ضمن التحالف، كما انحازت سابقاً ضد فكرة "اللقاء الأرثوذكسي". من أين يأتي القيّمون على التأليف بمسيحيين من 14 آذار لتوزيرهم؟ ميشال عون موضوع آخر، ولو شارك افتراضاً لأخذ خصومه الناس.

المفارقة أن موقف الحلفاء الصلب، لا يزعج حليفهم "تيار المستقبل" الذي يفاوض - ليس من دون تقليب آراء داخله - على تأليف حكومة مع طرف غير سهل على الإطلاق، يعرف أن يكسب، وأن يحوّل الخسارة ربحاً. تنازل عن "الثلث المعطل" في الحكومة ولكن هل تنازل حقاً؟ ثمة من يؤكدون أن وليد جنبلاط تعهّد بعدم تركه في القرارات التي تحتاج إلى تصويت. يعني معه أكثر من الثلث المعطل. ثلاثية "جيش وشعب ومقاومة؟" نتركها لمرحلة وضع البيان الوزاري بعد تأليف الحكومة، يقول نبيه بري لمفاوضه فؤاد السنيورة، ومعها "إعلان بعبدا". لم يُمنَ "حزب الله" بخسارة فادحة كي يرمي أوراقه ويستسلم لشروط خصومه. لكنهم يرفعونها انسجاماً مع ذواتهم وناسهم: التزام قرارات الشرعية الدولية، و"إعلان بعبدا"، وجدول زمني لسحب قوات "حزب الله" من سوريا. شروط بقدر ما يتشبثون بها تصير ولادة الحكومة أصعب، وبحاجة إلى معجزة. ولّى زمن المعجزات.

هذا تطوّر يُسجل في خانة الأداء السياسي المرتقي. عاد مسيحيو 14 آذار يحملون عَلَم "ثورة الأرز" في الطليعة بعدما كانوا أول من أطلقها عام 2005، بل عام 2000 وما قبل. ولا يربط كل منهم مشاركته في الحكومة بوزارة أو أكثر وحصة ومكاسب صغيرة. قد لا يكون مبالغة تعبير إنها إعادة اعتبار للقيم في السياسة.

إلا أن سعد الحريري يرفض هو أيضاً شراكة في الحكومة بأي ثمن. هذا ما فهمه المحيطون بسمير جعجع وسامي الجميّل بعد حديثي الحريري الهاتفيين معهما أمس. والجميع مطمئنون إلى نقطة مهمة أن العلاقات داخل التحالف متينة وستبقى أياً تكن الأوضاع والتطورات. وغلب على الحديثين طابع التشاور:"ما رأيك بهذة الفكرة؟ وما رأيك أنت؟". في جوجلة نتائج كل المشاورات والإتصالات واللقاءات داخل الفريق المتحالف يبرز اتفاق "شبه مقدس" على وحدة 14 آذار.

لا يستبعد الحلفاء أن تكون تنازلات قوى 8 آذار المفاجئة فخاً. ويتحدثون عن مفاجآت محتملة تطلقها إلى الضوء الجلسات الإفتتاحية للمحاكمة أمام المحكمة الدولية بدءاً من الغد. عن شبه استحالة لسير "حزب الله" في حكومة لا يتضمن بيانها الوزاري كلمة "المقاومة". في المقابل ليس وارداً عند الحريري القبول بأقل من "إعلان بعبدا". وأيضاً لا يسعه القول إنه لا يريد حكومة - أي حكومة - وفئات واسعة من اللبنانيين في أسوأ أحوال معيشة، تتطلع إلى بصيص أمل.