يبقى سوريا ولبنان، حيث تكثر التساؤلات بشأنهما. وإذا اعتبرنا أن إيران تريد تجديد ولاية الرئيس السوري بشار الأسد، فلا التباس، مطلقاً، بالنسبة إلى موقف الدول العربية الرافضة نهائياً لبقاء الأسد رئيساً لسوريا، فيما لم تقل روسيا كلمتها بعد بشكل نهائي وثابت.

في لبنان، تأخذ الانتخابات بعداً آخر. بعيداً عن استطلاعات الرأي الإلكترونية والسياسية، وبمعزل عن النقاشات الداخلية في المجالس السياسية والروحية، والمواصفات التي توضع يميناً وشمالاً للرئيس العتيد، فإن الاستحقاق الرئاسي عام 2014 هو استحقاق إقليمي ودولي وليس محلياً. وهو أمر ليس جديداً ولا مستحدثاً في تاريخ الانتخابات الرئاسية اللبنانية التي لم تكن مرة واحدة إلا نتيجة التقاطعات الإقليمية والدولية.

الثابتة الأكيدة والواضحة اليوم أن اللاعبين الأساسيين المؤثرين هما السعودية وإيران، والاتصالات الجارية بينهما، بمراقبة أميركية، وبوسيط غير مباشر هو سلطنة عمان، لا تدور حول لبنان فحسب، لكن ما يعنينا منها هو الشق اللبناني.

كان واضحاً منذ ظهور الرئيس تمّام سلام في الصورة، لحظة اغتيال اللواء وسام الحسن، ثم استقالة الرئيس نجيب ميقاتي وتكليف سلام تأليف الحكومة وبقائه رئيساً مكلفاً من دون حكومة عشرة أشهر، أن ترتيب العلاقة السعودية ــــ الإيرانية لم ينضج في حينها. ترتيب العلاقة لا التسوية بين الطرفين.

ما كاد ينجز هذا الترتيب، حتى شكلت الحكومة على عجل، خلال ساعات، سكت خلالها صراخ جميع المعترضين على الحصص وعلى الحقائب، وانصرف الأفرقاء في الداخل إلى حرق المراحل وإصدار مراسيم التشكيل في لحظات.

ولأن الزمن ليس زمن تسويات كبرى بعد، اكتفي بترتيب العلاقة بين الطرفين الإقليميين، فتكرر السيناريو نفسه مع البيان الوزاري. ولو لم يكن الدستور حاسماً بالنسبة إلى تحديد مهلة البيان الوزاري، لما كُتب البيان في الساعات الأخيرة قبل سقوط المهل.

ماذا يعني ذلك؟

يتضح من مسار قناة الاتصال بين السعودية وإيران أن أياً منهما، أو من الرعاة الدوليين للملف اللبناني، لا يريد إيصال البلد إلى الفوضى، بل الحفاظ على الحد المقبول من الاستقرار فيه. لذا فإن المعنيين أخذوا «نفساً طويلاً» مع تأليف الحكومة، ارتباطاً باحتمالات الفراغ. وإذا لم تنجح قنوات الاتصال الإقليمية في إيجاد مخرج للاستحقاق الرئاسي وترتيب الانتخابات قبل 25 أيار، فإن لدى هذه القنوات ورقة رديفة هي الحكومة في شكلها الحالي ووجود معظم الأطراف الرئيسيين فيها، لتحل محل رئيس الجمهورية، لضبط الوضع الداخلي وعدم جر البلاد نحو الفوضى والانهيار. وهذه تجربة ليست بجديدة على لبنان، الذي شهد قبل أكثر من ستة أعوام تجربة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بعد الفراغ الرئاسي إثر انتهاء ولايتي الرئيس إميل لحود.

وبدا واضحاً أن الدعم المحلي والإقليمي الذي أُعطي للحكومة، يتعدى إطار الحكومة القصيرة العمر، حتى إن معالجة وضع طرابلس الأمني كان بمثابة الأوكسيجين الذي زودت به الحكومة لضبط مفاعيل التدهور الأمني وضبط الصراع السني ــــ الشيعي.

الآن، بعدما صارت ورقة الحكومة في يد اللاعبين الإقليميين، استباقاً لاحتمال الفراغ، يصبح للكلام عن الاستحقاق بعد 25 أيار ضرورات أخرى، ترتبط بموعد انتهاء ولاية المجلس النيابي في العشرين من تشرين الثاني عام 2014. وهذا يعني، بحسب مصادر سياسية مطلعة، أن مسار الاتصالات الإقليمية قد لا يكون محكوماً بموعد 25 أيار الدستوري، بل هو محكوم بمهلة منطقية أخرى هي انتهاء ولاية المجلس الممدّد له، الأمر الذي يفسح المجال لجلاء الصورة الإقليمية التي ستسفر عنها كافة الاستحقاقات الرئاسية والنيابية في دول الجوار وشكل السلطات الجديدة التي ستنتجها.

وإذا دُفع بالانتخابات إلى ما بعد 25 أيار، وصولاً إلى عشية انتهاء ولاية المجلس، يصبح للاستحقاق وقع مختلف وترتيبات مغايرة، لها صلة بملف شائك هو قانون الانتخاب الجديد الذي ستجرى على أساسه الانتخابات النيابية المقبلة. فالرئيس الجديد سيواجه في مستهل عهده مهمة أساسية هي إنتاج سريع لقانون للانتخاب، وإجراء الانتخابات الأولى في عهده. والصفقة حينها ستكون متكاملة تضم رئيساً جديداً وقانوناً للانتخابات، على غرار الصفقة التي أنتجها اتفاق الدوحة.

لذا، إن حسم الاستحقاق الذي قد لا يحصل في المهلة الدستورية، وبلورة الاتصالات الإقليمية بين السعودية وإيران، يحتاج إلى ترتيب إجراءات داخلية وإخراج محلي بحت. في العادة، كان يناط بالرئيس نبيه بري القيام بهذا النوع من الإخراجات، لمرات كثيرة كان آخرها إنجاز شكل الحكومة الحالية وبيانها الوزاري. ويبدو حتى الآن أن الأمر نفسه سيتكرر، وسيبقى مفتاح الاستحقاق في يد بري، وكذلك الأمر ترجمة أي ترتيبات إقليمية في شأن لبنان.

في المقابل، ليس أمام المسيحيين، بكركي والمرشحين الموارنة، سوى الصراخ في البرية بعدم جواز الفراغ وخلوّ كرسي الرئاسة وإجراء الانتخابات في موعدها.