كشفت أوساط في قوى 8 آذار لـ«الأخبار» ان العماد ميشال عون طلبً من رئيس الجمهورية ميشال سليمان تغيير قائد الجيش العماد جان قهوجي، وتعيين العميد شامل روكز مكانه

لا يزال الجيش اللبناني، منذ أكثر من ثلاثة أعوام، المؤسسة الوحيدة في الدولة اللبنانية الواقفة على قدميها، متخطية الصعوبات التي مر بها البلد، في ظل سياسات حكومات أحادية أو متنوعة أو وطنية. في الحد المعقول، صمدت المؤسسة العسكرية، رغم ما تعرضت له من إطلاق نار فعلي وسياسي، وحملات تخوين وهجمات سياسية وبيانات مموهة ودعوات الى الانشقاق عنها، وصولاً الى تنفيذ عمليات انتحارية ضدها. رغم كل ذلك، ووسط التباينات الاقليمية والمحلية ونار الحرب السورية، لم تصب المؤسسة في صميمها كما حصل عام 1975.

ففي كل المعايير، تبدو الظروف الراهنة أخطر بكثير مما حصل عام 1975، ولا سيما مع ارتفاع منسوب الكلام في بعض الاوساط السنية ضد المؤسسة العسكرية في شكل كاد ينذر بالخطر. لكن الجيش عبر هذه المخاطر بأقل الأضرار الممكنة، حتى إنه حصد إحاطات سنية، عبّر عنها أكثر من مرة الرئيس سعد الحريري، بالوقوف الى جانب الجيش ودعمه، رغم أنه لم يتمكن من ضبط بعض نوابه الشماليين الذين لم يوفروا مناسبة إلا أطلقوا أعنف هجوماتهم على الجيش.

من الطبيعي أن تحدث هفوات في أداء الجيش، وأن تسجل في حقه ملاحظات سياسية أو تفصيلية. لكنه استطاع تجاوزها، بفعل تغطية شعبية يعرف السياسيون المعنيون تماماً أهميتها ومن دون الحاجة الى استطلاعات الرأي. هذه التغطية الشعبية بقيت شبه ثابتة، وترافقت مع حملة دعم دولية وإقليمية للجيش عبّرت عنها المؤتمرات الدولية من فرنسا الى إيطاليا والمساعدات الاميركية والهبة السعودية. وكل ذلك تحت عنوان رئيسي هو الحفاظ على الاستقرار، وقد اختصره أمس السفير الاميركي ديفيد هيل بإشادته بنجاحات الجيش واستراتيجيته الصحيحة ودوره في مكافحة الإرهاب.

عون يطرح تغيير قهوجي

يقود هذا الكلام الى تطور سياسي جديد برز في الساعات الاخيرة. فقبل شهرين من انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، وفي اللحظة التي لا يزال فيها الوضع الأمني مضطرباً، وغداة عملية عرسال الانتحارية التي استهدفت الجيش، وفيما يُعترف بدور الجيش في الشمال ويعطى للمرة الأولى تغطية سياسية حقيقية للدخول الى طرابلس لتظهر مفاعيل الخطة الأمنية سريعاً، رغم تصويب بعض السياسيين كالنائب وليد جنبلاط، يفتح رئيس تكتل التغيير والإصلاح صراعاً حول المؤسسة العسكرية. فقد أبلغت أوساط سياسية في قوى 8 آذار «الأخبار» أن عون طلب في الآونة الأخيرة، بصراحة، تغيير قائد الجيش العماد جان قهوجي. وبحسب هذه الأوساط، فإن عون الذي وقف في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ضد التمديد لقهوجي وتأخير تسريحه، أرسل الى رئيس الجمهورية رسالة يطلب فيها استبدال قائد الجيش قبل أن ينهي سليمان عهده، مسمّياً بديلاً له العميد شامل روكز.

لم يقبل سليمان بهذا الطرح، رافضاً بنحو جازم طرح هذا الموضوع، وخصوصاً على أبواب نهاية عهده، لأسباب أمنية، وعلى الأقل حتى لا يلزم الرئيس العتيد (أيا تكن هويته على افتراض أنه ليس عون) بقائد للجيش ليتعايش معه في الأعوام المقبلة.

بعد رسالة عون، طرح الوزير جبران باسيل ملف التعيينات الامنية على طاولة مجلس الوزراء الاثنين الماضي. وبحسب مصادر مطّلعة من داخل مجلس الوزراء، فإن باسيل لم يهدف من خلال طرح موضوع ملء الفراغات العسكرية في المجلس العسكري فقط مواجهة التعيينات التي طرحها تيار المستقبل، إذ إنه طوّر اقتراحه، في لقاء جانبي مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة تمام سلام، ليصل مباشرة الى عرض استبدال قائد الجيش وتسمية روكز.

لم يكن جواب سليمان وسلام، ملتبساً، بل رافضاً بوضوح، حتى إن سلام بدا مستغرباً توقيت الطرح ومناسبته، وإن كان هو وسليمان تفهّما إمكان تسمية أعضاء جدد للمجلس العسكري.

يعرف عون تماماً، بصفته قائداً سابقاً للجيش، أنه لا يستطيع طرح تعيين مدير للمخابرات على مجلس الوزراء ولا رئيس الغرفة العسكرية، لأن الموقعين منوطان بقائد الجيش ووزير الدفاع. أما تعيين أعضاء المجلس العسكري فيخضع لمجلس الوزراء، لكن التوازنات السياسية والطائفية تفترض حكماً تفاهم الأطراف الشيعة على المرشح الشيعي لعضوية المجلس، وكذلك الأمر بالنسبة الى أي من القوى المسيحية الأخرى حول المقاعد المسيحية، مع العلم بأن سليمان وفريقه لا يبدوان راغبين في مقاربة هذه التعيينات اليوم لأسباب موضوعية لا تحمل كثيراً من الغموض، وتتعلق بالاستقرار الأمني، في وقت نقل فيه عن أوساط ديبلوماسية غربية استغرابها ما نمي إليها بشأن المطالبة بتغيير قيادة الجيش حالياً، في وقت تعدّ إيطاليا مؤتمراً دولياً مع هذه القيادة حول الجيش بعد فرنسا، وتكثر المطالبات الدولية بتعزيز وضع الجيش ودعمه، ولا سيما في مجال مكافحة الارهاب. إلامَ يهدف عون من توقيت طرحه اليوم؟ إذا كان رفض عون للتمديد لقهوجي فُهم في حينه أنه مع تداول السلطات، وإن كان أوحى أنه يختار صهره العميد شامل روكز خلفاً له، فإن أوساطاً سياسية لم تفهم من توقيت طرحه اليوم تزكية مبكرة لصهره، بقدر ما هي محاولة لإزاحة قهوجي عن السباق الرئاسي قبل انتهاء المهلة الدستورية.

بالنسبة الى عون، فإن الاستحقاق الرئاسي عام 2014 هو فرصته الاخيرة بحكم الامر الواقع للوصول الى قصر بعبدا. وهو مدرك أيضاً أن ثمة مخاطر تحدق بالانتخابات، فلا تجرى ضمن مهلة الشهر والنصف الشهر المتبقية من المهلة الدستورية. وهذا يطرح مخاوف من أن يقبل البلد على فراغ حتمي كمعبر للوصول الى الانتخابات ضمن تسوية شاملة بدأ الحديث عنها إقليمياً ودولياً. وفي فترة الفراغ يصبح اسم قهوجي متقدماً على غرار ما كانت عليه الحال في تسوية الدوحة التي أتت بقائد الجيش آنذاك ميشال سليمان رئيساً. وخشية عون من ورقة قهوجي تقدمت في الآونة الأخيرة على خشيته من ورقة خصمه التاريخي رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، بحسب ما تتحدث أوساط على صلة بالمداولات الجارية حول الاستحقاق.

سلام ضمانة الجيش السنيّة

لكن هل يمكن مرشحاً رئاسياً، حتى ولو كان قائداً سابقاً للجيش، أن يغامر بوضع الجيش في هذه اللحظة المفصلية من أجل رئاسة الجمهورية.

تتقاطع معلومات أكثر من طرف حول الإحاطة بالجيش في الوقت الراهن. بالنسبة الى الطرف الشيعي، فقد فوجئ الرئيس نبيه بري بتوقيت هذا الطرح ومناسبته. فاللحظة ليست مؤاتية اليوم لأي تغيير في وضع المؤسسة العسكرية وبغض النظر عن هوية الأشخاص فيها، لأن الظرف الأمني لا يسمح بإحداث خضات قبل حسم موضوع رئاسة الجمهورية، وعندها يكون لكل حادث حديث. أما موقف حزب الله فلا يزال غير واضح من هذا التطور الجديد من جانب حليفه عون. في الجانب السنّي، هناك وسط سياسي يعوّل على حكمة سلام في إبعاد فتيل التفجير عن الحكومة والجيش. في الآونة الأخيرة التي ارتفعت فيها حدة التصويبات «السنيّة» على الجيش، وتعرّض لعمليات انتحارية، وقف سلام من دون تردد مع قيادة الجيش. بدا حاسماً في أكثر من مناسبة، في المجلس الأعلى للدفاع أو اللقاءات الأمنية أو مجلس الوزراء، في إعطاء ثقته الكاملة للجيش وتغطيته في صورة شاملة في عمليته الأمنية. ثمة فارق كبير بين تعاطي سلام مع الجيش وبين أداء ميقاتي وكلامه، ولا سيما حين زار وزارة الدفاع إثر عملية عرسال التي استشهد فيها للجيش النقيب بيار بشعلاني والرقيب أول إبراهيم زهرمان.

تتحدث أوساط مطلعة عن احتضان سلام لأداء الجيش في عملية طرابلس، ووضوحه في إعطاء تغطية حكومته وزعامته السنيّة لقمع الفوضى والإخلال بالأمن في طرابلس. يعرف سلام أن الشهرين المقبلين بالغا الحساسية أمنياً وسياسياً، وأن ليس من مصلحة أي طرف أن يهتز الجيش حالياً، وأن هذا الصراع لا يخدم الجيش الذي تنتظره أحداث وتحديات لا تزال تعمل على إغراق البلد في الفوضى، فضلاً عن أن تيار المستقبل، رغم كل الحوارات الجارية مع عون، لا يمكن أن يقدم اليوم على تأييد هذا الخيار المبكر وتسليف عون مثل هذا الخيار قبل حسم رئاسة الجمهورية، ولا سيما أن على كتف المستقبل حملاً اسمه سمير جعجع.

يبقى سؤال من دون جواب: أين المسيحيّون من هذا الطرح؟